آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 7:35 م

بين مفهوم التيار الديني المحافظ والإصلاحي

زكريا أبو سرير

تساؤل للتفكر لا غير، وأبعدوا عنه الشكوك أو الظنون هو للنقاش، والحوار.

عندما يظهر تصنيف على المشهد الثقافي المحلي حول توجهين ثقافيين عما يرتبط بالتراث الديني والفكري والثقافي بين قراءة الماضي والحاضر ماذا ناتجُه الاجتماعي والديني والثقافي؟

هنا سوف سأعرِّفهما للقارئ الكريم باختصار:

القراءة الأولى، تُصنِّف بالتيار الديني الثقافي المحافظ التقليدي، وهو التيار الذي التزم بالمحافظة على قالب التراث الديني الفكري الثقافي الإسلامي بما هو موجود ولا يسمح بضياع شيءٍ منه تحت أي عنوان مهما كان، باعتباره مخزونًا معرفيًّا وأمانة أخلاقية دينية وتاريخية، وهي ثقيلة، وينبغي تسليمه من جيل إلى جيل كما استلمه من الأجيال السابقة، لكي يصل سالمًا إلى الأجيال اللاحقة مع بعض الأفهام التي وُفِّق بعض الاختصاصيين في فهم بعض جوانبه الدينية والفكرية، وكل جيل عليه أن يُبقي التراث الإسلامي كما هو من دون المساس بنصوصه؛ لأنه هو الأصل، ولكنهم يقبلون بتطوير الأفهام المتولدة من التراث من ذوي الاختصاص عبر فهمهم لقواعد النص، ولا يُقبل من غير الاختصاصي الخوض في هذا المجال العلمي الفريد، ذلك أن غير الاختصاصي يجهل قواعده لأنه علم تخصصي، كحال العلوم الأخرى كالطب والهندسة والفلك وما شابه.

التيار الثقافي الديني الآخر يُصنف بالإصلاحي، ويقصد به بأنه التيار الديني الذي يحمل مرونة في فهم النص، فيربط الزمان والمكان بفهمه للنص، ويلزم أن تتطابق مضامينه مع الحداثة الزمانية والمكانية، ويؤمن بغربلة التراث الديني بما يصب في المرحلة الزمنية، وما لا يتطابق فهمه ومضمونه مع المرحلة الحالية أو الزمنية لا يهتم به ويطالب بإبعاده من المكتبة الإسلامية الدينية الثقافية التراثية، باعتباره عائقًا للحركة الفكرية العصرية، وكذلك يُعطي كل شخص حق قراءة فهم النص سواء كان اختصاصيًّا أم غير ذلك، ما دام يمتلك عقلًا قادرًا على التفكير، فما دام يمتلك ملكة التفكير هذا بالنسبة لهم يكفي، وهذا عكس ما يعتقد به التيار المحافظ، بحيث يجعل فهم النص للاختصاصي فقط دون غيره.

التيار الأول وهو المحافظ، قد وُصم بالجامد أو بالمتشدد أو بالمتطرف أو بالأصولي وبالظلامي؛ لأنه يحمل وجهةَ نظرٍ وفهم نحو التراث الديني والفكري والثقافي مغايرة تمامًا للتيار الديني الثاني، ولا يشاطره أجواءه الفكرية والثقافية، وكأنهما في طريقين متوازيين، مع عدم معارضة التيار الديني المحافظ لأي تطور علمي تكنولوجيا، بل قد تجد منهم من يساهم وساهم في تطوير هذا المجال العلمي العصري المهم، فتجد فيهم الطبيب والمهندس والمفكر المحترف والمتخصص في أدق أدق التعقيدات في العلوم الطبية أو الهندسية أو الميكانيكية أو الفلكية أو الجيولوجية أو الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية أو الرياضية أو الفنية، وبالرغم من هذا يوصم بالمتخلف أو اللاواعي بسبب التباعد والاختلاف بينهما في فهم المسلك الديني.

التيار الثاني وهو الإصلاحي، وقد تم تصنيفه بأنه التيار الواعي والمتنور والحداثي؛ لأنه يحمل وجهة نظر وفهم نحو التراث الديني مغايرة تمامًا للفكر الأول، بحيث تعتمد منهجيته ومسلكه وتركيزه على تنقية التراث والنصوص الدينية وعصرنتها مع الواقع، لتكون متوافقة مع متطلبات المرحلة الزمانية والمكانية، حتى وإن كان يخلو اتباعه من المهنية العصرية، وربما لا تجد لواحد من دعاة هذه المنهجية المحسوبين على هذا التيار الإصلاح التقديمي بحثًا علميًّا واحدًا يدفع بعجلة التطور في أي مجال من مجالات العلوم التقدمية الذي يخدم به البشرية، والأمثلة على ذلك عدة أبرزها جمهورية تركيا العصرية، ماذا قدمت وساهمت بعد لفظها للدين الإسلامي وشعائره المقدسة وخلو البلاد تقريبًا من كل أجوائها الدينية، من صناعات عصرية تقدمية حداثية أو غيرها التي يدْعوها للفخر أمام العالم؟ الإجابة لا شيء، بل كل ما هي عليه حاليًّا من حداثة فهو من صناعة عقول دينيين حتى النخاع، مثل اليابان والصين وأمريكا وإسرائيل وكل هذه دول دينية، وقد شاهد الجميع تصريح جورج بوش الابن عندما برر هجومه على دولة العراق في سنة الألفين وثلاثة ميلادي حين قال إنه يمثل الرب اليسوع، وكل ما تستخدمه تركيا وتعتمد عليه في أغراضها الحياتية ليس من صنع عقول تركيا، وإنما يعتمد اقتصادها كليًّا على الآخرين ومدى مستوى رضا الآخر عنها حتى تحافظ على رغيفها اليومي.

ما أراه مناسبًا هو أنه بدلًا من خلق انقسامات في وسط المجتمع الديني والثقافي وجعله فسطاطين، وحشْر المجتمع في مفاهيم لا حاجة له فيها، بل يفتح كلٌّ على الآخر جبهة ويبدأ كل طرف بشن حربه الفكرية الدينية أو الثقافية على الآخر، وتتحول الساحة الثقافية كاملة إلى سجالات لا نفع منها غير الخصومات والنزاعات، والكل يبحث عن الغلبة لا المنفعة الفكرية، وبهذا يصبح هم أحدهما كيف يكسر عظم الآخر! وهذا في الحقيقة لا يخدم ولا يصب إلا في مصلحة العدو المتربص لهما والهادف إلى تمزيق المجتمع حاضره ومستقبله.

الأمان الاجتماعي في ثقافة التعايش، هي من تحمي وتحفظ حقوق الجميع بكل اختلافاتهم الفكرية والثقافية والدينية، مع خلق مساحة واسعة من حرية التعبير عن الرأي والرأي الآخر، وتبادل الحوارات المتنوعة لكل رأي وفكر بكل أريحية بعيدة عن الشخصنة الفردية، مع ترك حرية الاختيار والقبول أو الرفض للمجتمع مع المحافظة على متانة وقوة وتماسك العلاقات الاجتماعية، وبهذا يصبح كل طرف له منا كل الشكر والتقدير والاحترام والمحبة والمودة على كل ما بذل ويبذل من جهود فكرية وثقافية تضاف للمكتبة الإسلامية وتخدم الوطن والمجتمع والفرد.

وعلى الجميع كذلك أن يسعى إلى تطبيق المبدأ والمفهوم القرآني لجعل المجتمع وكأنه أسرة كبيرة كل يحمل للآخر شعور الأُخوة الإنسانية والشعور بالمسؤولية تجاه اللحمة الاجتماعية والوطنية والدينية، قال ربنا الكريم في كتابه المجيد: ﴿إِنَّما المؤمنون إخوةٌ الحجرات: 10.

في الختام، لكم منا جميعًا أيها الإخوة الأعزاء في كل عطاءاتكم الدينية والفكرية والثقافية ألف شكر، ودمتم بألف خير ومحبة ومودة.