آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 12:12 م

الإعلان العالمي تحت المجهر

أمير بوخمسين

الإعلان العالمي لحقوق الإنسان احتوى على ثلاثين مادة تنوعت في محتواها، وشملت كافة مجالات حماية الإنسان التي تؤكد على كرامته وحريته وحقوقه. وهنا سأذكر بعض المواد من أجل التذكير فقط..

فالمادة الأولى: «يولد جميع الناس أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق، وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضا بروح الإخاء» فكرامة الإنسان مطلب حضاري وبشري، وتعتبر من أهم الحقوق الإنسانية، التي تلتقي حولها جميع الحضارات والأديان السماوية. فالبشر في كل أقطارهم أسرة واحدة، مخلوقون من نفس واحدة، متساوون في الكرامة الإنسانية.. هذه المادة اعتبرت مدخلاً لدى جميع الأمم ودول العالم التي أصدرت اتفاقيات ومواثيق خاصة بحقوق الإنسان، ودساتير، حيث جاءت في صدر كل اتفاقية ومشروع يحض تلك الحقوق. أن مضمون هذه المادة في التراث الإنساني يعتبر محوراً رئيسياً وأساسياً أكدته جميع الرسالات السماوية، وبشّر به دعاة الفكر بمختلف توجهاتهم ونظرياتهم، والتراث العربي والإسلامي غني بالكثير من المواقف المشرّفة والشواهد منها ما ذكر في القرآن الكريم والسنة النبوية، ومواقف دعاة الحقوق.

سأكتفي بذكر هذه المادة التي تعتبر مدخلاً للإعلان، ومن أراد قراءة الإعلان يجده عبر القنوات والمصادر المختلفة كالكتب الخاصة بحقوق الإنسان ومواقع الإنترنت.

ما هي هذه الخصوصيات التي ذكرت في الإعلان ولا تناسب مجتمعاتنا الإسلامية والعربية؟

من خلال قراءتي ودراستي للإعلان وجدت أن غالبية المواد الخاصة بالإعلان لا تتعارض مع مبادئنا وعاداتنا وتقاليدنا الاجتماعية والدينية كمجتمعات عربية وإسلامية، إلا في بعض الحالات المحدودة جداً، كحرية الارتداد عن الدين، والمساواة الكاملة بين الرجل والمرأة في مثل الإرث وحق الطلاق.. كالمادة الثامنة عشر التي تؤكد على «لكل شخص حق حرية الفكر والوجدان والدين، ويشمل هذا الحق حريته في تغيير دينه أو معتقده، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حده».

فالبعض يفسّر هذه المادة بالتشجيع على الخروج من الدين والمقصود به الإسلام.. ولن أدخل في تفاصيل هذه المادة وما يتبعها من نقاشات دينية. إلا أنني سأكتفي بما يذكره أرنولد توينبي في كتابه «العادة والتغيير» «التدين جزء من الطبيعة البشرية، والإنسان لا يستطيع أن يعيش بغير دين من نوع ما، فقد استطاعت الأديان أن تعلم الإنسان أنه ليس حشرة اجتماعية، ولكنه إنسان ذو كرامة، وإدراك واختيار. ويضيف أن الدين مؤسسة اجتماعية لا يستغنى عنها أي مجتمع بشري، وأن فكرة الدين متأصلة في نفوس البشر بحيث لم يقم مجتمع بشري في العالم، إلا وهو مشبع بفكرة الدين».

والمادة الأخرى تلك المتعلقة بالعلاقة بين المرأة والرجل، كالمساواة في الإرث والارتباط بدون عقد شرعي، والتبني وتبعاته.

أما باقي المواد فجميعها لا تتعارض مع مبادئنا وتراثنا وعاداتنا وتقاليدنا الاجتماعية، لذلك التأكيد على رعايتها وحمايتها أمر مطلوب والتساهل تجاه موضوع حقوق الإنسان يعني تنكّر لأهم شرائعه ومقاصده.