آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 7:28 م

تسقط الحياة

فؤاد الجشي

كلّ الأمور تسقط في الحياة، إلّا الحب، حالة ذاتية يملكها كلّ بشر وحيوان وطبيعة على هذه الأرض، عندما تشعر وعيك الأول، تنجذب إلى الأصوات الجميلة، لكنّك تسقط عندما ترقص أذنيك على صراخ يشقّ الحجر والأفئدة الطرية، حالة الإنسان المعذّب الذي يبحث في دائرة الوهم التي لا تنتهي، يفيض الوقت في البحث عن السعادة النسبية المفقودة بدون جدوى.

يوجد الإنسان العاقل، ويوجد الإنسان الجاهل، يوجد من حباه الله بقدرات، يبحر كسمكة لها زعانف قوية تستطيع أن تختار اتجاهاتها في أعماق البحار، حين تطفو أحيانًا، تختال بقوامها أمام البشر، النوع الآخر له من العناد ظلامه مستبشرًا بظلّه يوم ولد. رتابة مستقيمة هادئة مستقرّة، يتحرّك في مساحة صغيرة بفكره المكتوب له. ويوجد الآخر الشقي الذي يفقد أعصابه على هضبة عالية، يصرخ محاولاً هدم أفكار الآخرين، ذلك هو الهادم.

ويوجد الحكيم الذي ولد حكيمًا ومات حكيمًا، له من خطوات الرجال ضجة صامتة ترتقي السّلالم بسرعة وحزم، أما الآخر فشخصٌ بارد يحمل صفات الصّقيع ”الأسكيمو“، وحيدًا في صحراء خالية لا يبحث عن شيءٍ سوى أصابعه التي لا تقوده حتى النبش في الصفحات البيضاء.

ألواننا لا تتوقف ولا تصل إلى مدى فضاء مفتوح، غربه لا يُشبه شرقه، هنا تبدأ حكايتك مع الحياة والعقل والمسار التي اعتقدته، إنه ليس قوس قزح حتى يظهر بشكل مستقيم.

الإنسان حالة معقّدة من خيالات؛ بعضها خبيث، يؤثر ومؤثر على حوله، يصل مداه إلى ضحايا بريئة، ترى المشاهد عن قرب وبعد، الإنسان ذلك المجهول، صفاته وأخلاقه عبثية مع نفسه، بعضه لا يرى إلّا قُربه، صفات محجبة، قاتمة، تنتشر رائحته النتنة إلى بقاع مختلفة، غير قادر على الإبداع والتفكير، عدا الإرادات القوية التي يملكها البعض، إنّها انعكاسات نفسية لها كراهية سوداء متعجرفة في طرقها الوعرة، إبصار أعمى، شبكة معطّلة في مجملها.

يحدو الإنسان الأمل كي يستعيد جمال هذا الكون الفسيح الذي لا ينتهي، ضاربًا يده أن يفقد الجمال الروحي الذي يراه أمامه، لكنّه عاجز عن التقاط شعاع قليل في المتعة المتاحة، لا تسأل من أنا؟، لأنّ الأنا المركبة لها ”المحدودية الحضور“، يستمرّ الشعور بتلك الطاقة السلبية، تبحث عن الحلول والصّمود أمام جميع التيارات التي جرفتها الأمواج من البدء حتى الموجة الأخيرة، تشعر بالعجز والخمول العقلي الذي يتسلّل إلى عضلات قدمك عاجزة عن المشي إلى أقرب نقطة، الحزن على المهزوم، البليد، الجبان، الخائر، الخافت، الفاقد لطاقته يبحث عن الضوء الآسر البعيد، إنّها الحالة الإنسانية للإنسان البخيل الفقير الغني الجاهل العطوف القاتل بعقله ويديه وأسلحته الفوّارة التي لا تنتهي إلّا برحليه عن الأرض الطاهرة.

الإبداع أن تجهل كلّ شيء حتى تتحطّم الأصنام التي تحطّم الأصنام، بعدها يبسط الضياء شعاعه لأمل جديد، الوعي الجاثم في قعر ذاته لا أمل أن ينهض من مضائق الظلمات، الخسارة الكبرى أن تعيش بدون مأوى فكري ناضج تنتهي محمولًا إلى المدفن كأنك لم تخلق بعد، سوف تبحث الأجيال القادمة عن هذا الكون الفسيح الذي لا يعرف الإنسان له بداية ولا نهاية إلّا في الإجابات النسبية المختلفة.

”إنّ الثقافة تعني تحوّل الكائن من مجرّد الوجود الطبيعي إلى الوعي بهذا الوجود“ - نصر حامد أبو زيد.