آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 9:52 ص

المستجدات على الساحة الأوكرانية..

عبد الرزاق الكوي

لن يذهب المتتبع للحدث العالمي المتمثل في الأزمة الأوكرانية ليكتشف حقيقة ما يجري وخلفيات الأحداث ومن يقف وراءها وتأجيجها وكمية السلاح والعتاد العسكري المتدفق لمزيد من التوتر وتأزيم الأوضاع، لو كان ما حصل في أوكرانيا مجرد مجاعة أو حالة اقتصادية متردية لما قدم جزء من قيمة ذلك العتاد العسكري والتحشيد بهذا المستوى، ليس مستبعد يكفي ما صرف على هذا العتاد لميزانية دولة تعاني من المجاعة، هذا جزء بسيط ما تمثله حضارة القوى العالمية، رغم معرفتها التامة أن الجميع خاسر في مثل هذه الأزمات، والوضع سوف يرتد على مجمل العالم والمتضررين في تزايد وتردي الأوضاع الاقتصادية والحياتية والصحية والخدماتية، فماذا تعني هذه الهبة العظيمة هل هي فقط من أجل عيون أوكرانيا، فبركات إعلامية رخيصة استخدمت فيه صور لحروب قديمة وصور أخرى أخدت من الألعاب الاكترونية لتصوير واقع مزيف له مآرب أقل ما يقال عنها خبيثة، في صمت عالمي إلا من القليل الذي فعل العقل وغلب المصلحة العامة ودعا للحوار والتفاهم حتى يخرج الجميع رابحون، لكن تاريخ هذا الحلف حافل بالحروب يستكثر على البشرية أن يعمها السلام وتتمتع بالأمن، فالتاريخ حافل بالأحداث التي كانت تلك القوى اللاعب الأساسي فيه، ترتكب إبادة جماعية في بقعة من بقاع العالم وتقف تلك القوى مكتوفة الأيدي أن ما يجري حربا أهلية لأن ما يحدث يتماشى مع سياساتهم، وخضعت دول لاحتلال كامل بحجج واهية وانتهكت سيادة دول أخرى في تصرف بعيد عن كل القيم والمواثيق، هدمت البنى التحتية ورجعت دول للوراء عشرات ومئات من السنين تحتاج سنوات طويلة حتى تلملم جراحها وتقوي اقتصادها وتعيد بناء ما دمر بشتى أنواع الأسلحة المحرمة، اختلفت وسائل التدخل والمصلحة تصب في جيوب أقطاب خاصة يتحكمون في العالم، القاسم المشترك روح الكراهية والأحقاد الدفينة والغطرسة المقيتة، عدو لها كل من يخالف التوجهات، ويضرب بالحديد والنار كل معارض.

هذا المنعطف الخطير اليوم إن المتنازعين يملكون السلاح النووي القادر على تدمير الأرض ومن عليها بضغطة زر، لا وقت للتجارب مثل ما حدث في دول العالم الثالث، ما يجري الآن مجرد تسخين يعتبر نوع من أنواع الدلع، رغم ذلك يشاهد العالم كم من الأموال تنفق ليس في سبيل الحياة بل من أجل الاستعجال على الموت والدمار والخراب، لو وقفت الحرب خلال هذه الأيام كم من المليارات أنفقت وكم تدهورت حياة الكثيرين من تشريد وتهجير وعداوات ومرافق قد عطلت، الحضارة المزيفة لم تبني مجد بل بنت تاريخها على جماجم الأبرياء والاسترزاق من الحروب وإشعال الفتن وبعده التدخل في شؤون الآخرين، خلال السنوات الماضية لم يكسب حربا ولم يحقق انتصارا خرج مهزوما على أكثر من صعيد. حارب دولا بحجة وجود أسلحة محظورة وهي بعيدة عنه، واليوم يزرع كل ركن من أركان أوكرانيا بالسلاح، عند الحسم والمواجهة توضح الحقيقة خوفا وانهزامية وخطابات إعلامية وفبركات سياسية وضغوطات اقتصادية باتت فاشلة ولا تحقق نتائجها المرجوة، بل هذه الأفعال تقوي الخصوم بالاعتماد على أنفسهم وبناء تحالفات تبرز كقوى عالمية، اليوم الحضارة يصبح بيتها مثل بيت العنكبوت بل أوهن وهذا ما يلاحظ في عدم قدرة حلف الناتو حتى على الموافقة بضم أوكرانيا إلى هذا الحلف البائس.

العالم اليوم يتطلع إلى حياة أكثر أمنا وسلاما يضع يده على قلبه مخافة التطورات على الساحة الأوكرانية، اليوم يجمع التحالف الدولي مرتزقة من أنحاء العالم للتوجه نحو أوكرانيا ليس للدفاع عنها بل جعل تلك المنطقة خاضعة تحت توترات مستمرة يسترزق من وراءها، بئس الرزق هذا وبئس المرتزقة وهم أدوات قتل وخير شاهد ما وقع في باكستان يوم الجمعة الماضي من مجازر ارتكبها أعوان الشيطان المرتزقة، أبشع الجرائم في مسجد اجتمعوا فيه للصلاة والتقرب لله تعالى، اتباع الشيطان ينفذون مخططات أسيادهم، لم تكتفي قوى الظلام بشر إلا قوته وزرعته لم يكتفوا بزرع العالم بقواعدهم العسكرية وحاملات طائراتهم الحربية، ولا امتلاكهم الأجواء العالمية، بل مرتزقتهم يعيثون فسادا في الأرض.

العتاد العسكري اليوم ليس سيفا ورمحا وقوسا، إنها مجرد ضغطت زر بمقدرته شل وتدمير حركة العالم، في أيدي لا تملك الرحمة ولا الروح الإنسانية، وزيادة على ذلك حروبا ليس أقل قساوة وهي الحرب على الاقتصاد، اليوم حربا تقطع فيها الأرزاق وقطع الأعناق ولا قطع الأرزاق، اليوم القوى الكبرى تفعل أقوى العقوبات في حربها على مر التاريخ، تشمل البنوك والمؤسسات والقيادات والأشخاص، لم تسلم هذه السياسة حتى الرياضة فتمت المقاطعة حتى رياضيا، فكم من الضحايا سوف يتأثر من هذه العقوبات اللاإنسانية، هم الضعفاء، وهي سياسة ليس وليدة اليوم طبقت على دول أخرى سابقة ذهب جراء ذلك ملايين من الأبرياء.

اليوم تتزايد مؤشرات استمرار الحرب وتتجه إلى التأزم، والعالم يعيش على أمل بسلام وأمن، فالوضع يؤثر وسوف يؤثر أكثر مع التطورات المتسارعة، اليوم الحرب ليس في ساحات الحروب اليوم تؤثر على أرزاق البشرية، حين يستخدم نظام «جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك» وهي شبكة اتصالات دولية إلكترونية للتعاملات والمدفوعات المالية بين البنوك والمؤسسات بما يخص جميع التعاملات المالية، ترتبط فيه كثير من الدول، يستخدم هذا النظام سيفا مسلطا على رقاب كل من يخالف التوجهات، وتجميد كافة الأرصدة على المستوى العالمي.

هذا الضغط سوف يولد قوى أكثر قوة، تنفك من قيود الهيمنة وترجع القوى العالمية خائبة مكاسبها فقط تدمير العالم لتبقى هي الأقوى.