دقَّ شعبان البابَ شممنا روائحَ شهر رمضان!
يقول أصحابي اقتربَ شهرُ رمضان سريعًا، بالأمس كنَّا في شهرِ رمضان من العامِ المنصرم! بلى، هذه سرعة الأيام، قمرٌ يتلوه قمر وشهرٌ يتلوه شهر، ثم العمر كله يمر مرورَ ظلِّ الطَّائر. بلغكم الله أن تقضون في أحضانِ هذا الشَّهر وفي أحضانِ شهر رمضان أمتع الأوقاتِ والأزمنة.
في فرحٍ يكاد يكون طفوليًّا، دقَّ شهرُ شعبان الباب، فهبَّ النَّاس للترحيبِ به! من يلومهم وهم يعلمون أنَّ شهر رمضان آتٍ قريبًا، وطوبى لمن أدرك شهرَ رمضان. كم من أخٍ لنا وأختٍ وأبٍ وأمٍّ وعمٍّ وعمَّة وخالٍ وخالة كانوا هنا في شهرِ شعبان الذي قبل هذا، وهم ليسوا الآن هنا؟ فليس لهم إلا دعاءَ رب الأرباب أن يشملهم بعطفه ورحمته، ويكون شعبانهم ورمضانهم من أجملِ الشهور في جنانِ الخلد!
كل سباق في الحياة يحتاج إلى تدريب، وأنتم ترون المتسابقين في رياضاتِ الأجسام يقضون مدَّةً طويلة يتدربون قبل أن يتسابقوا في الميدان الحقيقي. هكذا هو شهر شعبان يعد فيه المؤمنون أرواحهم وأجسامهم، ويدربونها على الطاعات قبل دخول شهر رمضان.
شهرٌ جميل - شهر شعبان - تستعد فيه الملائكةُ للانطلاقِ بالرَّحمات والشَّياطين، لكي تُوصد عليها الأبواب وتُغل. كل الرجاء من الله أن نستقبلَ شهرَ شعبان ثم شهر رمضان جميعًا أصحَّاء العقولِ والأبدان. فمن نعم الله أن يأتي هذا الشهر وما بعده ونحن في تمام الصحَّة ونستطيع أن نقضي جزءًا من حقه.
ثم لا بدَّ أن يكون في النَّاس من يطلب العافية ليصوم، فإذا فرغتم من صلاتكم، ارفعوا أيديكم، واطلبوا من الله في كرمِه الزَّاخر أن يلبسهم أثوابًا جميلة من الصحَّة والقوَّة والنَّشاط.
بصراحة، احترتُ ماذا أنقل لكم من الأحاديث عن فضلِ شهر شعبان، لذلك أوكلت الأمر لكم خشية الإطالة عليكم واكتفيتُ بشاهدٍ واحد. وبعض هذه الفضائل تفتح الشهيَّة والرَّغبة في صيام شهر شعبان كلِّه أو بعضًا منه لمن استطاع!
عن صفوان بن مهران الجمال قال: قال لي أبو عبد الله عليه السَّلام: حثَّ من في ناحيتك على صوم شعبان، فقلت: جعلت فداك ترى فيه شيئًا؟ فقال: نعم إن رسول الله «صلى اللهُ عليهِ وآله» كان إذا رأى هلالَ شعبان أمر منادٍ ينادي في المدينة يا أهلَ يثرب إني رسول الله إليكم، ألا وإن شعبان شهري فرحم اللهُ من أعانني على شهري، ثم قال: إنَّ أمير المؤمنين عليه السَّلام كان يقول: ما فاتني صومُ شعبان منذ سمعت منادي رسول الله «صلى اللهُ عليهِ وآله» ينادي في شعبان، ولن يفوتني في أيام حياتي صوم شعبان إن شاء الله، ثم كان يقول: صوم شهرين متتابعين توبة من الله.