آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 4:00 م

في الذكرى ال «18» لرحيل آية الله العلامة الشيخ محمد الهاجري رحمه الل

آية الله الشيخ محمد الهاجري والعمل الخيري

أمير بوخمسين

الكثير من أبناء المجتمع، وخصوصا الناشطين والفاعلين من علماء ومثقفين ومفكرين ورجال أعمال والقائمين على الأعمال الخيرية، يمضي بهم الزمن وتمر الأيام، وينشغلون في أعمالهم، فلا يعيروا أي اهتمام لتسجيل مذكراتهم وتدوينها وتوثيقها من خلال كتابتها أو تسجيلها حتى.. وبالتالي تتحول هذه الخبرات والتجارب نتيجة عدم تدوينها إلى حكايات مضى عليها الزمن ومجرد أحاديث في المجالس، قال فلان وتحدّث فلان، وذكر فلان.. هذه الحالة من الإهمال لدى الكثير من هذه الفئات مستشرية ونراها تتعزّز يوم بعد يوم، ولي تجارب وأحاديث مع البعض الذين اقترحت عليهم بأن يدّونوا مذكراتهم ويكتبونها وإن لم يستطيعوا فيسجلوها صوتيا لتتم تنزيلها على ورق لاحقا.. فالبعض تراه يتفاعل معك وقتياً وأنه سيبدأ خلال الأيام القادمة لكن مع مرور الأيام ترى حماسه قلّ وانخفض.. إلا القليل الذي بدأ يدرك أهمية التدوين والتسجيل لتجاربه ونتاجه محاولاً كتابتها وطباعتها.. وهذه حالة إيجابية في المجتمع. يقول الدكتور مسعود ضاهر عالم التاريخ ”إن من يعتقد أن الوثائق الشفوية لا تصلح كمستندات علمية لدراسة التطور الاجتماعي يعزب عن باله أن الوثائق المكتوبة كانت روايات متناقلة قبل أن تدّون. لذا فالوثائق المكتوبة ليست أكثر أهمية من الوثائق الشفوية. ولا تمتاز عليها إلا بالتدوين“. لذلك فالتدوين للسيرة الشخصية وكتابتها أمر مهم لمن لديه من العلم والخبرة والتجارب القّيمة.

آية الله الشيخ محمد الهاجري من هؤلاء العلماء الذين بذلوا وقتهم وجهدهم في خدمة المجتمع تعليماً وتثقيفاً وتوعيةً، إضافة إلى الأعمال الجليلة التي قدمها الشيخ من خلال خدمة المجتمع عبر توجيهاته ودعمه لجمعيات البّر الخيرية انطلاقا من افتتاح مركز الفيصلية التابع لجمعية البر الخيرية بمحافظة الأحساء عام 1412 هـ وبإشراف منه، واعتبر الشيخ نفسه جندي مع هؤلاء الشباب القائمين على أعمال الخير من أجل مساعدة الناس، وساهم مساهمة كبيرة في توثيق العلاقة بين أفراد المجتمع ومركز الفيصلية. لذلك وفقني الله لأن أتحدث إلى أخ عزيز يعتبر قامة في العمل الخيري وله من الأعمال والأيادي البيضاء لبذر بذرة العمل الخيري في الأحساء، والذي كُرّم مؤخرا من قبل محافظ الأحساء سمو الأمير بدر بن محمد بن جلوي بمناسبة مرور أربعين عاما على تأسيس جمعية البر الخيرية بمحافظة الأحساء، وقد كانت له صولات وجولات مع سماحة الشيخ في انطلاقة مركز الفيصلية التابع لجمعية البر الخيرية، يحدثنا الأستاذ عبد الكريم موسى بوخمسين عن دور سماحته الفعّال والداعم الرئيسي للمركز.

الشيخ محمد كان ذو رؤية ثاقبة في تعامله مع كافة الأمور فلو وضعت تحت الفحص والتمعّن تكون مدرسة، فهؤلاء العظماء تصرفاتهم تشكل منهجاً ومدرسة، وهو من القمم التي لم تأخذ حقها في التقدير والاهتمام من قبل المجتمع. فمن خلال دعمه للعمل التطوعي، نستطيع أن نحدد منهجية الشيخ في التعامل مع هذا العمل ضمن أطر وعناوين محددة:

نظرة الشيخ للمتطوع وأنماط التطوع:

• المتطوع:

يكون إما مُنفذاً أو داعماً وأن يكون ذو مميزات وصفات، ووضع خطوطا ومواصفات للمتطوع. فالالتزام الديني من صلاة وصيام وكثرة قراءة القرآن وغيرها تعتبر سلوكا شخصيا يخصه، فإذا لم يكن ذا نفس معطاءة ترابية، إلى درجة خصّ نفسه كذلك بأنني لا أصلح أن أكون معكم، بحيث يكون المتطوع ذو أريحية، وتقبّل الرأي الآخر وليس أحاديا، والبحث عن سلوكه مع أهله وأصحابه، ومدى سخائه، وبالتالي أن يكون لديه الإيثار «ويؤثرون على أنفسهم ولو كانت بهم خصاصة». وبالتالي من خلال هذه التوجيهات قام المركز بوضع قيود وضوابط في قبول المتطوعين، للبحث في جوانبهم النفسية والأخلاقية، وأمانتهم، وكذلك بالنسبة للمتبرع له يتم التأكد من أن المبلغ المتبرع به يتم إيصاله في القناة المطلوبة من قبل المتبرع.

• العمل التطوعي:

كان يرشدنا إلى أنماط جديدة في العمل التطوعي، حيث كان أكثر أبناء المجتمع ينظر فقط إلى العمل التطوعي بمثابة تقديم تبرعات، ومساعدات للفقراء والأيتام، فقد فتح آفاقا من ضمنها تأطير وتشريع كفالة اليتيم، حيث كانت الكفالة سابقا الخدمة المالية.. الشيخ بتوجيهاته لنا فقد رسم لنا استراتيجية واضحة لتمكين اليتيم من العمل وتأهيله على كل الصعد من أجل أن يكون نافعا في المجتمع، فنبي الله داوود الذي كان ﻳﺼﻨﻊ ﺍﻟﺪﺭﻭع خير دليل على تعلّم المهنة من أجل أن يكّد على نفسه فلا يحتاج إلى معونة من الآخرين، قال تعالى ﴿وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ «الأنبياء: 80».

والمثل الصيني «لا تعطي الفقير السمكة بل أعطه السنّارة وعلمه كيف يصطاد السمكة». كذلك التأكيد على علاج المرضى والإصلاح الأسري، فليس فقط الفقير يتم إعطائه الأكل وإطعامه بل كان يرشد إلى أنماط متعددة من العمل الخيري التطوعية التي تساهم في رفع المجتمع وتقدمه، فكان يحضر المحافل والمناسبات التي يقيمها المركز كمأدبة رمضان، وحفل تكريم الأيتام.

• الاشتراك في المناسبات الاجتماعية ومن ضمنها الاستهلال، والمساهمة في خدمة الحجيج.

المساهمات التي قدمها الشيخ في الدعم الإستراتيجي:

• دعمنا معنويا، فمن خلال الزيارات ومن خلال أي مشكلة نواجهها في الجمعية، مثل اتهامات البعض أو من أي طرف من الأطراف، كان الشيخ لديه نظرة لحماية القائمين على العمل التطوعي في سبيل استمرارية العمل، وخاصة بالنسبة للهفوف، فكان درعا حصينة وتحمل عنا الكثير، ولا يقبل أي انتقاد أو اتهام والتشكيك بالقائمين على العمل، فقد يكون يطرح بأنه إذا كان هناك قصورا أو أخطاء في العمل فهذا أمر طبيعي، والكمال لله، لذلك إذا عرض علينا الخطأ نقوم بإصلاحه.

• ترسيخ البحث الاجتماعي من أجل معرفة الفقير الحقيقي، وتقصي الحقيقة حول حالة الفقير، هل يستحق أم لا، وذلك بالتأكد والبحث عن سيرة هذا الفقير ومعرفة حقيقته قبل إعطائه المعونة والدعم.

• توجيه الصدقات إلى الجمعية وعدم استلام أي صدقات من الناس، حيث عندما تأتيه الصدقات يقوم بتوجيهها للجمعية، وإرشاد الناس بذلك، وكذلك النذورات.

• شرعنة المصروفات من أجل الانطلاقة في العمل التطوعي، ودعم تحسين أداء العمل من خلال السماح بصرف المبالغ على الأمور التي تحسّن أداء المركز، مثال شراء سيارة لتوصيل المساعدات للفقراء الذين لا يستطيعون الحضور، والمستلزمات المكتبية للإدارة، وغيرها من الأمور التي تحتاجها الجمعية للقيام بالأعمال الإدارية والبحثية.

وأخيرا فقد كان الشيخ داعماً للعمل الخيري، ونتيجة لذلك انطلق العمل الخيري وتوسعت رقعته مما كان له الأثر الكبير في ذلك..