آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 11:32 ص

عن تلك الدروع التي لا تموت

أثير السادة *

كل تكريم أيا كان لونه ومناسبته ينتهي في الغالب إلى جوقة من التصفيف، ومصفوفات كلامية، تختتم بشهادات ودروع، هذه هي الخلطة القديمة الجديدة التي تمنح فكرة التكريم معناها وقيمتها عند الناس، مازلت أذكر صديقنا الشاعر عبدالله السفر وهو يختتم أمسية كان يديرها بالإشارة على نحو متهكم للفقرة التي لا بد منها وهي تسليم الدرع للضيف، هذه الدروع التي أنفتحت على عالم البلاستيك والزجاج والكريستال والحديد، دون أن تخرج من شهوة التكرار لفكرة“إهداء الدروع”ذاتها.

دائما ما يحتار الناس ماذا يهدون في مناسباتهم، وفي مناسبات التكريم يقطع - بضم الياء - طريق الحيرة بالذهاب إلى أسهل الطرق وأيسرها، حتى إذا بلغ الواحد منا عتيا، ونال ما نال من الشهادات والدروع، شعر بأنها فزاعات لطرد الحسد عن سيرته لا أكثر، فهي صماء لا تبتسم ولا تتحدث، قد يكون لها بريق في الذاكرة، لكن لا بريق يعلوها بعد سنوات من الغبار.

كنا وصديق نتجول في متجر تابع لمركز ثقافي معروف بالمنطقة، يبيع هدايا تذكارية لزائريه، وفيها صور ومجسمات لمناطق بعيدة، ولا شيء للمناطق القريبة.. لبسنا كل ملابس الغيرة على المدن التي ننتسب إليها ورحنا نتأفف لغياب ما يصف هذه الأماكن الموغلة في التاريخ، إلا أن لحظة استرحنا وأعدنا التفكير ونظرنا بعين الحياد قلبنا السؤال على ظهره: وهل لدينا مبادرات ومشاريع إبداعية وتجارية تستثمر في هذه الذاكرة وتسوقها كهدايا تذكارية؟

أبناء الساحل كما أبناء الريف لديهم الكثير الذي يقدمونه كهدايا للعابرين من حدود المكان، تلك الأشياء التي لا نراها في ذلك المركز، ولا في مناسبات التكريم المتكررة بالمنطقة، لديهم البحر بأسماكه ومراكبه وحكاياته التي يمكن إعادة رسمها، وتجسيمها، وتحويلها إلى منحوتات جمالية، ولديهم أطلال العمارة القديمة، وسعف الظهيرات الباردة، ومنتجات الخوص، وكل الأشياء التي ترشدنا إلى ذاكرة المكان، وإلى ناسه، وإلى روح الأرض، وإبداع الإنسان، وكل العناوين التي نبحث عنها لتصب في قوالب نسميها هدايا.

نريد لونا من تلك الهدايا التي توقظ المخيلة، وتحرس الذاكرة، وتصف الإبداع الذي يمثل حصن الحصين لحياة الفن والثقافة في أي مكان، نريد هدايا فاتنة، كفتنة ازرقاق السماء في يوميات الشتاء، واخضرار الأرض في مواسم الربيع، هدايا لا تنام في المستودعات وداخل الملفات، بل تؤثث فضاء البهجة في كل بيت، في صورة عمل فني وإبداع إنساني يتدفق من تراب هذه الأرض.

هي في نظري مساحة للتفكير والاستثمار والابداع، فبدل الانشغال بماذا ولماذا، لننشغل بالعمل من أجل تسويق صورة المكان وذاكرته بالنحو الذي يليق والنحو الذي نحب.