آخر تحديث: 24 / 4 / 2024م - 8:46 م

رُؤيَةٌ فِي شَيْخُوْخَةِ المِزَاج.. سلسلة خواطري المتواضعة

عبد الله أمان

لم أَقرأ قَط، أَو أسمع مُطلقًا، بتجلية وبزوغ، صَدى وندى اقتحام هذا العنوان الرنان ”شيخوخة المزاج“ مِن ذي قبل؛ ولم تهرق وتنداح نسمة ريحه الطيَّارة النفِّاذة أَصالةً؛ أَو تصدح واضح وناصع لكنته الضاربة المترددة دَمَاثةً، في لُب ”مَسار ومَدار“ أَعماق العصب السمعي الأَهيف المرهف، بجميل تصرُّف، ولطيف تشرُّف؛ أَو ترق رََّنتة المدوية انبهارًا، ببهاء سَماحة ضيافته المحبورة؛ أَو تتوق اندهاشًا، إُلى مقدم وروده الميمون، وحُسن قِرائه المِضياف، أَو تدنوه من وضَحِ ناصية مَراقي لِحاط طلعته البهية؛ وتتصعَّد أِريحية، وتصعد برفق وترقق اشراقة وجهه، إِلى سُدة مقام صََهوة مَنبر قريحتي، بحُرية مُطلقة؛ أو تقترب زحفًا، مِن غرَّة ديباجيه رُويدًا، إِلى قِمة مُنحنى سنام مُخيلتي الشاطحة، بعَفوية سَمحة، وتِلقائية سَهلة، بمقدم وتوطئة دبيب زَحفه الحثيثين، وصَوت فحيح حَفاوته النابضة، على حَصير الاحتشام، وبِساط الاستحياء، وفِراش الالتزام!… بل رَمقته عِيانًا جِهارًا خِلسةً، داخل لُفَافة كَبسولة قالبه الخام، ذات مَرة، وعلى حِين غُرة، في طَيف غَمرة جَمهرة زاحِمة، لحَشد حَاشد، وزُمرة كَثرَة كَاثرَة، وسط مُناوشات صاخبة مزاحمة، لجُموع مُجتمعة مِن الأناسِي، في شدة يوم رطبٍ لظٍ قائظٍ!… وجميعنا، يدرك ويحيط، بلا استثناء أَو استقصاء، وُضوح الشرح المُعجمي المُفَصَّل، لمَعنى عَاقبة، ومُنتهى، وخَاتمة مرحلة الشيخوخة، حيث تتقاعَد في دفئ كنفها الساخن، بوادر استمرار قمم نهضة الهمة الدافعة؛ وتتقاعس، في أَحضانها المتردية، بَواعث أَحزِمة استدامة النشاط المعتاد، في أَوج لَوثة فِكر عَكِر مُتطاولة؛ وسَنام نَوبة مِزاج كَدِر مُتعالية؛ وذروة انهزام، وهَامة استسلام باديتين، في حَصافة نَباهة، وفِراسة بَصيرة، ونظَّارة فهم الشيخ الهِمُّ الهَرِم!

ولعل نَقاء وصَفاء المِزاج المتقلِّب المتلوِّن، أمر، غَالب جَاذب، نتوق بمُعايشته ومُؤالفته؛ ونسعد، بتفحصه ساعة، برائق تقييم عاجل، وفائق استقصاء أَجلِّ، لغاية مَراميه، عند أَول استقراء، ومستهل فحص، لطبيعة أَمزجة الآخرين، مِن حَولنا، بأَدق مَجَاس حَواس موازيننا الحساسة الدقيقة تِباعًا؛ ومُلاحقة أَسمى وأَنمى مُحفزات ظاهر أَمزجتهم البادية لحظةً، بلحظةٍ؛ وننقاد طوعًا وأَصالةً، بأَندى حَثيث دَوافعنا الجاذبة، أَمام صَفحة المرآة العاكسة؛ لنتفقَّد، وتتفحَّص، ونعاير، مَاثل أَمزجتنا؛ لنزداد ونشتد إِثارةً وتأَلقًا وأَلمعيةً؛ ونَنتشي مَرة، بإِحساس شاطِح؛ ونَقوى بنزعة طموح؛ ونَهرع بنفرة سُرور، وهمسة حُبور غامرتين، برشاقة الرؤيَة، وأَناقة المقصَد؛ لنرتاد ولهين برَويَّة مُماثلة تائقة لسقف يقظة صافية ضافية؛ ونلتمس مُصبحين أفق صَحوة حالمة عارمة، تأخذنا استلطافًا، بصَلصَلة صَفِير هَياجها ”الهائج المائج“ إلى فساحة سقف رَحيب في عَنان أَجواء رِحلات فَضائية مُثيرة، داخل جوف مَقصورة مِنطادية فَارهَة مُلونة؛ تمنحنا أَجواؤها الساخِنة، زِناد طاقة حركية، مفعمة بحرية الارتياح؛ ومترفة بدِفئ تلقائية الانشراح؛ ومحفوفة بانطلاقة زهو الابتهاج؛ وتغمرنا، حُبًا وكَرامةً، في أُفق جمال قوس عُليتِها الفردرسي الماسي، بخُيلاء وتعاظُم قَوام أَنضر مَظهر صَحيح مُتعاف؛ وتهدينا، نشوةً وطربًا، ألق الزَهو، بأَعظم وأَفخم، أَثواب وأَكسية السعادة الناصِعة النضِرة؛ وتساندنا، إِحساسًا غامرًا، برِدء نسيج رِداء بُردتها المخملي الناعم، زخم البهجة الند الحاضِنة؛ وتُلبِسنا، بكرم رِفدها المُغدِق، عِدل كِسوة العِز القشيبة، بتعادل وتماثل وتفاؤل، بكامل أسفاط جواهر جُودها الحُبلى المنثورة؛ وتمنحنا مدًا وَافرًا مُتجانِسًا، مِن خَليط إِفرازات - زَج وضَخ - زاخرة، مِن أَصفَى لُباب، وأَنقى مَذاق إِكسير رَائق نشِط مِن - مَزج ودَمج - مِن نتاج مُستخلص ناصع سائغ، مِن أَنقى وأَصفى ”كيماويات“ فسيولوجيا المزاج الحي ”المتهندمة“ بأدق وأَرق أَرومة ثقل أَوزانها؛ وأَندى نعومة ولَدَانة تكوين جمال أَشكالها النوعية الفيزيائية، شَاخصة مُتجسدة، بأرقِّ قامتها المَمشوقة المُتمازجة، بجمال حُسن طلتها الهيفاء المرهفة؛ والمتوُّجة، خِلقة وهَيئة، بأَنعم وأَكرم طلعتها؛ والمشمولة - بأَبذل وأنبل - صِبغةً وسيماءً؛ والزاهية بأَرهف خِفة وأَناقة، مُتمثِّلتين شاخصِتين، في مِشيتها المتهادية الفاتنة، قلبًا وقالبًا!

ومِن بين كَثرةِ أكداس رُكام الصور الكَاثرة، وغزارة رهط زُحام المشاهدات الماثلة، وتكرار نَماذح وأَنماط الملاحظات الحاضرة المتكررة، في شتى مَناحي مُتسع سُلوكيات، وسَوِية طِباع عامة الناس، مِن حولنا، وأَخص بالذكر فئتي اليافعين والشباب… نرى، بأُم أَعيننا، بعضهم يَثورون بهياح صَارِخ، ويُزمجرون بانفعال فَاضِح، ويَتنكرون بأَقنعة سَميكة غليظة… حتى يَكاد أَحدهم ينفجر، غيظًا وغضبًا، عند مُواجهته وإفادته بملاحظات شخصية، أو إَهدائه بباقة لحظية مِن نصائح ودية؛ لتصحيح بعض الخلل السلوكي الصادر منه، جَرَّاء هَطلٍ وسَيلٍ مِن التصرفات الحَمقاء الرعناء؛ أَو أَثناء استهلال مُشافهة كلامية ثنائية مُتبادَلة صَدُوق، بنصحٍ وإِرشادٍ وِدي «أخوي - أَبوي» … ذلك الشطأ الطالع بقرنيه، مِن، بذيء ورديء، نبت السلوكيات المتعجرفة المرئية الصادرة برمَّتها، والمتصدِّرة ذَاتها؛ ورُدود الأَفعال البادية المنعكسة جُلها؛ وانهمار التغذيات الراجعة الفجة؛ البارزة بمرارة حَنضلها؛ والماثلة نكايةً وإِغضابًا، بسَماجة مَنابعها الشاذة، لا تُنبئ، ولا يُسْتَل مِن فُتات هَشاشَة أُطُر فَحواها العائمة الصادمة قَوام ”شبابية“ المظهَر الطامح؛ أَو يُنتزع مِن قامة فُتوة سِيرتها الناقهة، إلاَّ النزر اليسير مِن رَصَانة المخبَر… يَغلب على سُلوك وسِيرة منتحلها الغَر؛ ويَسبغ، شاهر وجاهر، شخصيته الغامضة، رَث نمطية الظهور المتنكِّر، بلباس قناع مُزوَّر سَمِل بالٍ،، يَظهر زيفه وتلفه؛ وتَبِين عِمايته، وتنكشف غِوايته عند هُبوب أول مَسحة مُتأصِّلة مُتجذرة مُثلى، مِن عبير سماحة، وأَريج عَراقة، وشذا دماثة وأََصالة، أَنبَل وأَجَل، الممارسات الوجدانية الطيبة المتلى لجِيلي: الأَجداد الأَماحد، والأباء الأَوفياء… وقد مَسح ومَسخ - بعض شباب اليوم - يهديهم الله - باستتخفاف واستهوان، في صفوف مُحتشَد جيلهم المتغطرس المتعجرف، أوامر التآخي؛ ومكاسب التضامن؛ ومزايا التكافل؛ ومحاسن الأَمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، في حاضر مُلتقى مَواضع ”تواصلية“ شتى، وشَاهد مَواقف جماعية اجتماعية متعددة، في دَفتي مَتن الكتاب المجيد المطَّهر، وسِلسلة الأَحاديث النبوية الهادية الشريفة، لخاتم الأَنبياء، وسيد المرسلين، نبينا وشفيعنا، محمد بن عبدالله، عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأَصحابه الغر الميامين، أَفضل الصلاة، وأَتم التسليم!

هذا، ولعل مِن مُسببات ومُهيجات زحف أَطياف الزخم الجارف الساحب، مِن فيض نبع السلوكيات المتعجرفة الظاهرة الشاذة: غياب القدوة الضابطة المُلتزِمة؛ واحتجاب الأُسوة الحسنة المتزنة الملتزمة، بانتهاح أصول، ومَنابع، وفنون حسن التعامل الأَخلافي، المنسجم - قلبًا وقالبًا - مع صِحة، وسَلامة، وطَبيعة سِيرة ومَسيرة المزاج الرائق المرح، بمعية فُنون وقَواعد ”صِناعة الدُّعابة“ الجاذبة؛ وتذبذب مُحصلة ريع المُستوي الثقافي العام، عند مُستهل بوابة سَوِية اعتدال الطباع المزاجية القويمة؛ وعدم وضوح نَصَفَة امتثال أَساسيات مَنهج ومُنطلق، أُطر ومَناحي، ومقومات ومَساعي استقامة الأَخلاق الحميدة؛ وتَصلُّب ورُكُود في مُرونة ولُيونة وُضوح استراتيجية مَبدأ هَيكلة نسق مُخرجات الهِمم السلوكية القويمة: الفردية منها والجماعية، السائدة الرائدة، في عُقر أَوساط المجتمع المُتناغم المُتفاهم الواحد… وقد ينأى الشاب المُتبجِّح المُترفِّع بجانبه شاطحًا بحماقةٍ، خارجًا بسفاهةٍ، عن ثِمة طوره، لوقع سَلة سِكين عَطردة العولمة العارمة، بنمطية ريحها المُتمردة المُتشعبة؛ ولِين مفاصلها الهشة المتهشمة، وسائر مُغرياتها المُحدَثة؛ لتقطع وتفري ما يحلو لها مِن كُتل شرايين، وأَربطة أَوردة، وهَبر سائر الأَنسجتة الداخلية، في مَغبة، تَغافل، وعاقبة تجاهل، عن أَبسط ”مُسَلَّمَات“ أْصول المعاملات الاجتماعية العامة: فَنيات ثقافة الاستئذان؛ ومِثاليات مُعاملات احترام الجيران؛ ومُقتضيات آداب التسامح، وأَدب الاحتشام؛ ومشاعر لين الجانب، في مَواقف المخاطبة، ومَقامات الطرح الثنائي والجماعي المتبادل، وأْصول الكلام المؤدب المحتشم؛ وإِهمال ظاهر في فنون التعامل اللبق الحسن، مع جَنَاب الآخرين، مِن حولنا؛ وإِدمان تكرار حُزم مُخالفات مَرئية ل?ُسس وقراعد الاستخدام الأَخلاقي الأَمثل لقارعة الطريق، ورِزم فنيات، ونُظم أَخلاقيات سياقة وقيادة المركبات الآمنة…!

ولعل مُفردات صِيغة السؤال ”الحاَئر البَائر“ لا تلوي على نصل مُتكأ صَلب صَلد؛ أَو ترقى إِلى سُدة مِنبر ذائع شائع، يبث أَثير الوعي الغالب الكاسب، في أَعماق جُيوب آذان الشباب الغافل المتناسي؛ ويُثري مَحافظ تلافيف مشاعر بصائرهم القائلة المسترخية؛ وينفث مَصْلًا مُداوِيًا مدوِّيًا في عَضُد ”فَورة ونَفرة“ جَارفة عَارمة، في عُمق صَميم، وعَميم، عقول عُصبَة الشباب المتخدِّرة؛ ليسري بداخلها عَقَّار المصل المنظور المداوي؛ ويتغلغل بتركيز مفعوله ”السحري“ في سائر الشرايين، ومنابت مراكز الخلايا؛ ويحفِّز، على الدوام، عمل صُنع وإِنتاج أَنجع صَفقات الأَجسام المضادة ”التصحيحية“ الذاتية؛ لمَنع ودَرء، ووَأد شُرور وأَضرار آفات الغفلة الثكلى، وردَّها إَلى أَصل نحرها؛ ليعود دفق وتَصَبُّب المياه المتجمدة الراكدة إِلى نسق طبيعة مَجاريها المتسعة؛ لتضخ ماءً سَلسبيلًا رَقراقًا، في طُول وعَرض وعُمق مَساقيها المتسعة الزاخرة، وتضخ بشفافية وتلقائية، خلايا دمٍ جديدٍ، في مقتبل بصائر أمزجة الناقهين والشباب… مَحفوفة بأكاليل الصحوة المزاجية، ومُهداة بباقات الورد الفاتنة الفواحة؛ لتُقطف وتُجنى مِن قِمم أَعالي رؤوسها البهية، بعِنَاية ورَوِية، يانع لَفيف أَسمى طاقات ”تجميلية“ مِن أَنفس تِيجان مُذهَّبة، مِن خالص وأَثمن نُظم مَصفوفات باقات أكاليل ”جذَّابة خلاَّبة“ تتباهى بها، بفخر وتفاخر؛ وتتزين بفائق جَاذبيتها، أِناقةً واعتزازًا، هَامَات ورؤوس الشابات والشبان رَدَحًا… وفي صُعُد الضفة المقابلة، لتُستَأْصَل بارتياح ذَاتي، واستبشار طَوعي؛ وتُقبَر في باطن صعيدها، أَرذل وأُنذل، سابق وجدان طباعهم؛ وتُوارى الثرى أُسوأ قديم ورميم أَنتن سُلوكياتهم الرجعية المنتكسة؛ وتُجتث شأفة جِراح آخر أَحفاد سَقط سُلالات فيروسات العَولَمة الخدِيج المتحوِّرة، مِن أَصل سَافل أَسلافها؛ ويُسدَل الستار المظلم الحاجب على سَواد رُقعة وجهها ”الصاحب الساحب“، عن أَنظار وأِفكار ورُؤى كَوكبة الأَجيال القادمة الواعدة، في أَعلى مَوجة بُحبُوحَة ومَندُوحَة تغيير مَرحلي، شاملتين عارمتين… وما ذلك على الله بعسير، وهو الهَادي والمُهدِي إِلى سواء السبيل!