آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 9:35 م

رثاء شجرة العائلة

ياسر آل غريب *

إلى فقيدتنا المرحومة السيدة الجليلة زكية بنت علي الشرفا «أم علوي» التي حملت عمرها في ركاب النبي محمد وآله.

عندما تسبق الدموعُ الكلماتِ فهذا مؤشر على رثاءٍ مكثف كثافة الألم فيمن تحبُّ، وكلما ازدادت درجة القرابة، فأنت على موعد نعي الذات للذات، ولن يعطيك التحديق في المكان الخالي من أهله إلا اكتشاف حجم الفاجعة ومقدار الفقدان.

رحلت عن دنيانا العمة السيدة زكية الشرفا «أم علوي» مخلفة وراءها قاطرة من السنين في خدمة أهل البيت ، لطالما حدثت نفسي عن هذا العشق الحسيني الذي أعطاها قوة الإرادة والعزيمة. لقد كانت مثال الإخلاص والتفاني والبذل عندما أدارت المأتم بعد وفاة والدتها «أم سيد أحمد»، لتكون صوتا ينبع من صوتها وطيفا يتشكل من طيفها.

كل وقتها كان للحسين، ففي كل يوم تعقد مجلس عزاء عصرا، لم تتركه حتى مع اشتداد مرضها فقد كانت تذهب بكرسيها المتحرك. أما في عشرة المحرم فالوضع مختلف جدا فهي تخرج بعد صلاة الفجر ولا تعود إلى منزلها إلا مع حلول المساء، لتستريح قليلا، بعدها تشاهد محاضرات القنوات الدينية إلى أن تخلد إلى النوم.

لم تعش إلا بالحسين وللحسين بأصالة الولاء وديمومة الوفاء، إنها مثل الصورة المتجلية في عينية الجواهري:

ومِنْ ”ناثراتٍ“ عليكَ المساءَ
والصُّبْحَ بالشَّعْرِ والأدْمُعِ

منذ ارتباطي بعائلة «الشرفا» الكريمة نلت الكثير من أفضال «أم علوي» كما نلته من المرحوم السيد «أبي علوي»، لم تكن لي والدة زوجة فحسب.. بل كانت لي أما أسكنتني في قلبها.

تقاسيم وجهها تنبئ عن هيبة تشبه هيبة الصلاة والمشاهد المقدسة، لم أعرف معنى صلة الرحم إلا عندما كنت أراها تخصص أوقاتا طويلة لزيارة أهلها بل تتسع الدائرة لسؤالها عن الناس وعيادة المرضى.

كيف أرثيكِ ياشجرة العائلة الوارفة التي أعطت أبناءها وأحفادها معاني الحياة؟ كيف جفت حروف النداء في شفتيك؟ بعدما امتلأ بها البيت وأنت تنادين أولادي ليكونوا قربك.

رحم الله فقيدتنا الغالية التي وهبت نفسها في خدمة أهل البيت ونصرتهم - صلوات الله عليهم - أعطت كل مالديها لتكون ذكراها حدائق ذات بهجة.