آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 1:31 ص

بين الأُسْلُوب وأروقة المجتمع الراقي

ليلى الزاهر *

يتناقل الناس معنى الأُسْلُوب ويقصدون به المنهج المتبع في الحديث مع الآخرين وغالبًا ما نقول عن شخص غليظ اللفظ: لا يمتلك أُسلوبا حسنا في تعامله مع الناس وتغيبُ عنّا نصفُ الحقيقة.

أما النصف الآخر للحقيقة فهو أنّ المقصود بالأُسْلُوب هو: الكلمة الأنيقة والعقل الراجح والعواطف الإنسانية الكريمة مجتمعة في الإنسان.

فالأسلوب لا يخص الجانب اللفظي فقط وإنما هو نِتاج خصائص إنسانية متعددة في مجموع إنسان واحد.

وقد عُرّف الأسلوب بأنه المجسم اللفظي لحياة الإنسان الأخلاقية والعقليّة.

فصاحب الأُسْلُوب السيء يمتلك مخزونًا كبيرا من الألفاظ السيئة يخرجها في وقت حاجته لها.

ومن مبادئ إكرام الذات عدم الاختلاط به من قريب أو بعيد حتى لا يطالنا الشرر المتطاير منه.

أما صاحب الأُسْلُوب الطيب الحسن فهو البطل في صفاء سريرته، صاحب بطولات كلامية أنيقة جدًا، تُبنى به الحياة الصالحة وهو عنوان المدينة الفاضلة، له محاولات جريئة في إخراجك من الألم وإدخالك في مسالم السعادة.

من يمتلك أسلوبًا راقيا يُستمع لرأيه لأنه بلغ من الفطنة والعبقرية ما يؤهلانه لنصرة المحروم من الحب فيشدو بأعذب الكلمات وأصفاها ليخفف عنك أعباء الحياة الثقيلة، ويولي انتباهه لكل تفاصيل حياتك الدقيقة حتى يُعيد بذاكراتك للحياة السعيدة.

وقد يمتد مفهوم الأُسْلُوب الجميل ليشمل منطقة بأكملها مثل منطقة «صفوى» حيث انطلقت منها جميع الصفات التي تمثل المجتمع المتعاون الذي لا يفرق بين غني وفقير، صاحب المشاريع الخيرية، والأيدي المتكاتفة.

تسمو به الأخلاق، ويرتفع صيته ليمثل المجتمع الشهم صاحب النجدة الأبية والوقفة الهماميّة في المواقف الصعبة ويشهد له بذلك أهالي منطقة العوامية.

أخصهم بالذكر لمواقفهم النبيلة وأخلاقهم الكريمة جماعات وأفرادا خاصة في وقت الأزمات.

ما أن تُقبل على محافلهم المجتمعية على اختلافها من مجالس عزاء، أو حفلات أعراس إلا قام الجميع ينادون بصوت واحد:

«ضيف، غريب، أجنبي، أفسحوا له المقام وأجلسوه» ينهض الجميع صغيرا وكبيرًا، شابًا أو شيخًا مسنّا.

يتكلفون الكرم ببساطة، فيبهرونك بجمال أسلوبهم في الحديث، ولستُ أجانب الصواب إذا قلتُ: إنّهم يضحون بما يمتلكون من أجل الواجب وإسعاد قلوب بعضهم البعض وإسعاد الآخرين.

إنها الصورة التي التقطتها لمجتمع صفوى وأهله الكرام وأبصرتُها أنوارًا خلّابة تشعُّ في قلوبهم.