آخر تحديث: 31 / 10 / 2024م - 8:43 ص

حب ولقاء

الدكتورة زينب إبراهيم الخضيري * صحيفة الرياض

سألتني إحدى الصحفيات ذات مساء عما تمثله القراءة بالنسبة لي، كان السؤال بسيطاً في ظاهرة ولكن إجابته كانت عسيرة علي، حاولت لوهلة أن أتمعن في فعل القراءة، ولكني تراجعت وحاولت أن أجيبها بمشاعري وما أحسه تجاهها، فهي بالنسبة لي عطش وارتواء، شغف ونهم، حب ولقاء، هي قوة داخلية تغذي روحي وتغني فكري، فأنا أقرأ للبحث عن الحقيقة والمعرفة والمتعة، لأنها مضادة لكل فيروسات الجهل وانخفاض الوعي، وتجربتي مع القراءة فيها الكثير من المتعة والتعب والصعوبة أحياناً، وغالباً تكون القراءة صعبة عليّ لأنها تكون مبنية على قراءات ومعلومات سابقة، وأحياناً تكون سهلة وكأني أطأ جزيرة لأول مرة محاولة اكتشفها بكل شغف، فغرامي بالقراءة مستوطن روحي، وينساب في عقلي كالنهر العذب، وأعتبر تجربتي مع القراءة جيدة جداً وأنا وفيّة لها، وأكتب كثيراً ولكني أقرأ أكثر، وأتمنى أن ”أعيش مرتين“ لأقرأ أكثر وأكثر، وفي قراءاتي أحببت الرواية كثيراً، ذات يوم قال كافكا: ”إننا نحتاج إلى تلك الكتب التي تنزل علينا كالصاعقة التي تؤلمنا، كموت من نحبه أكثر مما نحب أنفسنا، التي تجعلنا نشعر وكأننا قد طردنا إلى الغابات بعيدًا عن الناس“.

وفعلاً كتب روايته المرعبة المسخ وكأنك تتجول في عقله الغريب، وعالمة البائس التكوين، ومازلت أقرأها، وكل مرة أكتشف شيئاً صادماً، هناك علاقات خفية تُبنى بين القارئ والكاتب ولا أستطيع إنكار علاقتي الروحية مع الروائية إيزابيل اللندي، علاقة تتجلى في استشهادي بكل ما تكتب لاقتناعي به، وإحساسي بما لا تكتب، تطربني كتاباتها النابعة من وسط أعماق الأنثى الأم والأخت والابنة، استمتعوا معي بهذه العبارة لإيزابيل: ”يوم آخر من الانتظار، ويوم ينقص من الأمل. يوم آخر من الصمت، ويوم أقل من الحياة، الموت يمضي طليقاً في الممرات ومهمتي مشاغلته حتى لا يجد الطريق إلى بابك“.

أيضاً أغلب أعمال فيودور دوستويفسكي حيث أنني أحتفظ في مكتبتي بالأعمال الكاملة له التي أثرت فيّ، فهو صوّر لنا أعماق النفس البشرية شرّحها وشرَحها بطريقة فلسفية، حيث تناول الأخلاق والغفران والإيمان، وأعتبر أعماله مدرسة فلسفية إنسانية تنفذ للعقل وتستوطن الروح، لا ننكر أن الرواية بشكل عام نهضت في الحياة الاجتماعية والثقافية، وشغلت مكانة في الوعي الجمعي فهي من أقدر الأجناس الأدبية على فهم الواقع ورصد حركته ومآلاته، لذلك أرى أن مستقبل الرواية سيزدهر أكثر في ظل التداعيات والتغيرات العالمية الآن، وربما هذه التغيرات التي نشهدها تنتج لنا روايات بمواصفات جديدة.