آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 2:34 ص

لا تمدن عينينك

أثير السادة *

ذات نهار كنا أنا وأحد الأصدقاء نتابع الشاشة الفضية، نقلبها كما نقلب السوالف بين وقت وآخر، أخذتنا الصدفة لمتابعة برنامج عن أخطر الطرق إلى المدرسة، فشاهدنا صبية صغارا وهم يقطعون الطرق المخيفة، ما بين الغابات التي لا تؤمن مفاجآتها الخطرة، قبل أن يصعدوا قوارب مملوءة بالماء، وكل ذلك من أجل الوصول إلى فصولهم الدراسية.

كنا كمن يقف على حافة الدهشة، لهذه الصعوبات التي يلاقيها الصغار، وفي نفس الوقت لتلك البساطة والقناعة التي تجعل الواحد منهم يمضي باتجاه درسه وهو يقرأ الكثير من دروس الحياة، تغالبنا مشاعر متناقضة، بين الحزن على حالهم، وبين التعجب لحالنا، هل هم أكثر سعادة لأنهم لا يرون من هم أفضل حالا من حالتهم؟.. يسأل صاحبي وهو كمن يريد أن يجتاز جسر السؤال عن معنى السعادة، هذه الثقة بالنفس والشعور بالنجاح تتحول في لحظة مشاهدة تلك المكابدة إلى أحاسيس مربكة عن صورة الحياة البهيجة.

القناة التي اختارت لنا هذا البرنامج شاءت أن تتبعه ببرنامج عن أجمل البيوت على الساحل، أن تغسل ألوان الحيرة بماء البذخ الذي يحرضنا على التفكير كالأثرياء بامتلاك بيت بطراز فيكتوري على أطراف واحد من السواحل الأوروبية.. هنا مرة أخرى تشعر بتعب المسافات الطويلة التي ركضت فيها غير أنك لم تصل إلى هذه الحالة الاقتصادية الرفيعة، تنسى من شاهدتهم قبل دقائق وهم يبتكرون طعامهم، ويغسلون أوانيهم وملابسهم، ويرعون دواجنهم قبل المضي إلى مدارسهم، ساعة ترسلك خيوط الفضة باتجاه تأثيرات المال والجاه والثروة، هناك تحديدا ستستسلم وتؤمن بأن السعادة لا تعرف طريقة واحدة للعيش.

التعاسة والسعادة ليس لها ميزان واحد، ومقادريها ليست واحدة، فالأقوياء هم ضعفاء في جانب ما، والأغنياء هم فقراء في جانب من جوانب الحياة، قد يفتقرون للحب، للأمان، للصحة، للثقة، لأشياء صغيرة أو كبيرة، كفيلة بتأجيل الرضا والبهجة عن صورة الحياة التي يحيونها.

مرات كثيرة ستجد فيها عقلك المجبول على المقارنات، يندفع باتجاه اشتهاء حياة شخص آخر، وهو كمن يقترح عليك طريقا آخر للعيش، لكنه سرعان ما يصطدم بتفاصيل تجعله يتراجع ويراجع خياراته في هذه الحياة، كلما حاولت إدارة ظهرك عن ما ينال من طمأنينتك ورضاك النفسي سيدفعك هذا العقل إلى الاهتمام والتفكير بما لا تملك، لتكتشف بعد مضي الوقت وانصراف السنين أنك وضعت الكثير من القيود على سعادتك، وأنك مررت بها وتخليت عنها في سبيل التعلق بحياة أخرى لم ولن تعيشها.