الأستاذ حسن مهدي الصفَّار.. معلِّم الخير يرحل!
في هذه الفترة اعتدنا جملةَ ”مات فلانٌ أو فلانة“! وكأنها كلمة لا تعنينا، إلا أن رحيل أستاذٍ ومعلِّم من الطرازِ الفاخر يترك ثلمةً وشرخًا في المجتمع لا يسدها إلا واحد من أمثاله الخلَّص لمهنتهم.
يوم أمس السَّبت، الثَّاني عشر من شهرِ فبراير 2022م، انتقلَ إلى رضوانِ الله الأستاذ حسن مهدي حسن الصفَّار. كان الأستاذ حسن معلِّمًا لنا لمادّة الدِّين في الصفوفِ الإبتدائيَّة، حينها كنا في مدرسةٍ مستأجرة في بيتٍ صغير في وسط دشَّة تاروت. الأستاذ حسن كان حينذاك شابَّا طريّ العودِ، نديّ الأخلاق وجمّ الصبر، لم ألتقِ به منذ تلك السنوات إلا مرَّة واحدة أو اثنتين، لكنني لما رأيتُ صورته يوم أمس لم تتغير هيئته كثيرًا، وكانت صورته كما ارتسمت في ذاكرتي.
للأستاذ حسن الصفار حق كبير على الذين علمهم، إذ في حين كان الأستاذ يدرس مادَّة مقررة كان أيضًا يدرس مادةً ليست من المنهجِ المقرر وهي مادة السلوك والأخلاق والأبوة، كان سمح الخلق مدرِّسًا ومربِّيًا في آنٍ واحد. لم تشغله المدرسةُ الصَّغيرة واكتظاظ الصفِّ بالطلاب ومشاكلهم عن إعطاءِ المادَّة حقها وأداء واجبِ التَّدريس. أبدعَ الأستاذ حسن في تدريس المادَّة الدراسيَّة وأبدعَ أيضًا في طيبِ سيرته وطيبِ خلقه خارج أسوارِ المدرسة، بين النَّاس.
لم يكن مستغربًا في ذلك الزَّمان أن يحمل المدرِّس العصا ويضرب الطلَّاب، أما الأستاذ حسن رحمه الله فلا أتذكر أن العصا والقسوة والصوت العالي كانت من أدوات التدريس عنده، تكاد تعرف فيه وصيةَ لقمان لابنه: ﴿وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ ۚ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾.
عنه «صلى الله عليهِ وآله»: إن معلِّمَ الخير يستغفر له دوابّ الأرض، وحيتانُ البحر، وكل ذي روحٍ في الهواء، وجميع أهل السَّماءِ والأرض. وأيضًا قوله: أوحى الله تعالى إلى موسى: يا موسى! تعلم الخيرَ وعلِّمه النَّاس، فإني منورٌ لمعلمي الخير ومتعلميه قبورهم، حتى لا يستوحشوا بمكانهم.
عنِّي وعن الذين تعلموا على يديك، نوَّر الله قبركَ وغفر لكَ يا أستاذ حسن وكل أساتذتنا الذين انتقلوا من هذه الدنيا إلى دارِ الحقيقة والواقع، ومدَّ الله في عمرِ الباقين ومتعهم بالصحَّةِ والنَّشاط زمنًا طويلًا، بثوا العلمَ والأخلاقَ فينا فلهم كل الشكرِ والتَّحايا.