آخر تحديث: 27 / 12 / 2024م - 1:40 ص

رحلة تطور إدارة المخاطر - الجزء الثاني

هادي آل سيف

تناولنا في الجزء الأول من رحلة تطور إدارة المخاطر بواكير ظهور إدارة المخاطر وتطورها التدريجي عبر السنوات، وتوقفنا عند محطة الثمانينات الميلادية والتي نبدأ منها الجزء الثاني.

خلال الثمانينات، حصل تطور كبير في تقنيات إدارة المخاطر Risk management techniques لإدارة المشاريع Project management كذلك أستمرت المؤسسات المالية Financial institutions في تطوير تطبيقات Application وأدوات Tools وتقنيات Techniques إدارة المخاطر على إدارة مخاطر السوق ومخاطر الائتمان Credit risk. وأيضاً خلال فترة الثمانينات بدأت إدارات الخزينة Treasury departments في تطوير النهج المالي Financial approach لإدارة المخاطر، كما كان هناك إدراك وإقرار Recognition من قبل مديري الشؤون المالية Finance directors في المنظمات حول ضرورة تنسيق co-ordinated سياسات Policies إدارة مخاطر التأمين Insurance risk management وإدارة المخاطر المالية Financial risk management بشكل أفضل.

خلال الثمانينات أيضا كان الدور التقليدي لشركات التأمين موضع تساؤل في الولايات المتحدة الأمريكية، لاسيما أثناء أزمة تأمين المسؤولية Liability insurance crisis التي تتسم بالأقساط الباهظة Exorbitant premiums والتغطية الجزئية للمخاطر Partial risk coverage. في تلك الحقبة، ظهرت أشكال بديلة للحماية من المخاطر المختلفة، مثل Captives «وهي الشركات التابعة Company subsidiaries التي تقوم بتأمين مختلف المخاطر وتعيد التأمين Reinsure على أكبر المخاطر منها»، وكذلك ”مجموعات الاحتفاظ بالمخاطر“ Risk retention groups «وهي مجموعة من الشركات في صناعة ما أو في منطقة أو أقليم/ولاية تقوم بالتكتل مع بعضها لغرض الحماية من المخاطر الشائعة Common risks»، والتأمين المحدود Finite insurance «وهو توزيع المخاطر Distribution of risks بمرور الوقت لوحدة تعرض واحدة One unit of exposure للمخاطر بدلاً من بين وحدات التعرض Units of exposure».

خلال فترة التسعينات، وسعت المؤسسات المالية Financial institutions مبادراتها في إدارة المخاطر لتشمل النظر والدراسة بشكل منظم Structured consideration في المخاطر التشغيلية Operational risks. كذلك خلال التسعينات، ظهرت منتجات تمويل المخاطر Risk financing products والتي تجمع ما بين التأمين Insurance مع المشتقات Derivatives، وفي الوقت نفسه، شجعت متطلبات حوكمة الشركات Corporate governance ومتطلبات الإدراج Listing requirements المدراء التنفيذيون على التركيز والاهتمام بشكل أكبر على إدارة المخاطر المؤسسية «ERM» Enterprise risk management، وفي نفس الفترة تم تعيين أول شخص بمنصب ”مدير قسم إدارة المخاطر“ Chief risk officer «CRO» وهو دلالة على مستوى التجاوب مع طبيعة هذه المتغيرات «تم استخدام لقب Chief risk officer «CRO» في عام 1993م تحديداً من قبل James Lam في شركة GE Capital لوصف الوظيفة التي تنطوي على إدارة جميع أنواع المخاطر All aspects of risk».

في فترة التسعينات برز مفهوم إدارة المخاطر في البنوك، حيث استمدت البنوك تقنيات إدارة المخاطر من تلك التقنيات المتعلقة بشركات التأمين وهي من قبل فترة التسعينات. يشير هذا النوع من إدارة المخاطر إلى شراء منتجات التأمين التقليدية والتي تتناسب مع الحماية من أي مخاطر ”بحتة“ Hazards Risks مستقبلية. كما تم في الأسواق المالية Financial markets الترويج للمشتقات Derivatives كأدوات Tools لإدارة المخاطر لاستخدامها في أنشطة التحوط Hedging، وغالباً ما يُطلق على هذا النوع من المخاطر ”إدارة المخاطر المالية“ Financial risk management وتستخدم المشتقات كحل لإدارة المخاطر المرتبطة بالأنشطة المالية. حيث لا يتم استخدام المشتقات Derivatives للتحوط Hedging فقط، ولكن أيضاً يتم استخدام هذه الأدوات Instruments للمضاربة Speculation والمراجحة Arbitrage.

فالمشتقات تعتبر جزء من ممارسات إدارة المخاطر المستخدمة في الأسواق المالية Financial markets، وتستخدم البنوك المشتقات في أعمالها اليومية وتظهر تلك الأنشطة خارج الميزانية العمومية ”خارج قائمة المركز المالي“ Off-Balance sheet على الرغم من أن معنى إدارة المخاطر في البنوك يختلف عن إدارة المخاطر المالية.

أصبحت إدارة المخاطر في البنوك ضرورية في عام 1997م عندما نشرت لجنة بازل للرقابة المصرفية Basel Committee on Banking Supervision «BCBS» ”المبادئ الأساسية“ للإشراف المصرفي الفعال core principles”for effective banking supervision ”. حيث يوفر إطار العمل Framework هذا صلة أساسية Essential linkage بين رأس المال Capital والمخاطر Risks. يتعين على البنوك على وجه الخصوص اعتماد إجراءات Procedures وعمليات Processes قياس المخاطر Risk measurement وإدارة المخاطر Risk management من أجل ضمان عائدها المعدّل“ العائد المعدل للخطر ”Risk-adjusted return من أعمالها. حيث يحدد“ عائد المعدل للخطر ”Risk-Adjusted Return عائد الاستثمار Investment's return عن طريق قياس مقدار المخاطرة التي ينطوي عليها إنتاج Producing هذا العائد Return، والذي يتم التعبير عنه بشكل عام كرقم Number أو تصنيف“ تقدير" Rating. ويتم تطبيق Applied عائد المعدل للخطر على الأوراق المالية الفردية Individual securities، وصناديق الاستثمار Investment funds والمحافظ Portfolios. هناك العديد من نسب العائد المعدل للخطر Risk-adjusted return ratios التي تساعد المستثمرين على تقييم الاستثمارات الحالية Existing والمحتملة Potential. والتي قد تكون أكثر فائدة من مقاييس Metrics عائد الاستثمار البسيط Simple investment return التي لا تأخد مستوى مخاطر الاستثمار في الاعتبار. هذا وتتضمن مقاييس المخاطر الشائعة Common risk measures للعائد المعدل للخطر كل من «alpha، beta، R-squared، standard deviation، Sharpe ratio»، وعند عمل المقارنة ما بين أثنين أو أكثر من الاستثمارات المحتملة Potential investments،، يجب على المستثمر مقارنة نفس مقاييس المخاطر لكل استثمار للحصول على منظور الأداء النسبي.

لذلك، فإن المفهوم الأساسي Core concept لإدارة المخاطر المصرفية Banking risk management هو ضمان الربحية Profitability وسلامة Safety الصناعة المصرفية.

خلال بداية الألفية منذ عام 2000م، تم تشجيع شركات الخدمات المالية على تطوير أنظمة إدارة المخاطر الداخلية Internal risk management systems ونماذج رأس المال Capital models، حيث كان هناك نمو متسارع في وظائف ”مدير قسم إدارة المخاطر“ Chief risk officer «CRO» في كل من شركات الطاقة والبنوك وشركات التأمين. كما أن مجالس الإدارة في الشركات زاد اهتمامها في إدارة المخاطر المؤسسية ERM بسبب قانون ساربينز أوكسلي Sarbanes-Oxley «SOX» الصادر عام 2002م «Sarbanes-Oxley Act of 2002» في الولايات المتحدة الأمريكية. والذي نتج عنه تقديم المنظمات تقارير أكثر تفصيلاً عن المخاطر ومتطلبات الحوكمة. ومع ذلك، فإن الأزمة المالية Financial crisis في عام 2008م أثارت العديد من التساؤلات حول مدى الإسهام Contribution الذي يمكن أن تقدمه إدارة المخاطر في نجاح الشركات Corporate success، وبشكل خاص في المؤسسات المالية Financial institutions. ليس هناك شك في أن تطبيق Application أدوات وتقنيات إدارة المخاطر فشلت في منع الأزمة المالية العالمية Global financial crisis، وهذا الفشل كان في التطبيق الصحيح لعمليات وإجراءات إدارة المخاطر، وليس من العيوب الملازمة ”المتأصلة“ Inherent defects لنهج Approach إدارة المخاطر.

ونود أن نختم هذه الرحلة بالتأكيد على أن نضج نظام إدارة المخاطر يعد الآن أقل علاقة وقوة مع التأمين، فلم تعد تلك الروابط بينهما بتلك القوة مثل الماضي، والسبب في ذلك إلى أن التأمين يتم النظر له اليوم على أنه أحد أساليب أو تقنيات السيطرة والتحكم في المخاطر Risk control techniques، ويمكن ملاحظة ذلك عند التمعن في موضوع إستراتيجيات ”تقنيات“ الحد ”تقليل“ المخاطر. ولكنه بالطبع ينطبق ”يُطّبق“ Applicable على جزء من المخاطر، وهي بالطبع المخاطر البحتة Hazard risks ”المخاطر الصافية“ كما سبق أن أشرنا إلى ذلك. فمن المتعارف عليه اليوم، أن المخاطر المتعلقة بالتمويل، والتجارة، والسوق، والسمعة، كلها أمور مهمة للغاية، ولكنها خارج الإطار أو النطاق التاريخي Historical scope للتأمين. وهذا ما قاد للنظر إلى المخاطر في إطارها العرض نحو إدارة مخاطر المؤسسة أو بعبارة أخرى إدارة المخاطر المؤسسية.