فكرة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لم يكن يظهر للوجود لولا الحاجة الماسّة له، خصوصا بعد نهاية الحرب العالمية الأولى1914 - 1918 التي خلّفت من الضحايا حسب التقديرات 60 مليون قتيل، والحرب العالمية الثانية 1939-1945 قدّر عدد الضحايا 50 -80 مليون قتيل، إضافة إلى الدمار والمآسي وكوراث في مختلف الميادين البيئية والإنسانية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها، وانهارت دول وقامت أخرى، وأحدثت تغيير في التركيبة السياسية والجغرافية لتلك الدول المتحاربة، فمنها من اندمج مع البعض لتصبح دولة واحدة، والأخرى استقلّت عن الأخرى. أدى ذلك إلى الاهتمام من قبل تلك الدول المتحاربة إلى صياغة نظام لحماية الإنسان، ووقف هذه الحروب، واتخاذ خطوات جادة في سبيل تحقيق هذا النظام. ففي أول دورة للجمعية العامة للأمم المتحدة، في العام 1945، كان ريكاردو ألفارو، البنمي الجنسية، أول من اقترح وثيقة خاصة بحقوق الإنسان الدولية ولإنهاء عقود من الحروب. وكّلفت لجنة حقوق الإنسان الحديثة العهد، التابعة للمنظمة الدولية بصياغة وثيقة، فلم يكن ذلك بالمهمة البسيطة. وكان يلزم أن تعكس الوثيقة المهمة جوهر المقصود ب ”حقوق الإنسان، وأن تضمن موافقة المجتمع الدولي المتسّم بالتنوع. ولم ترضخ رئيسة اللجنة المذكورة، السيدة الأولى الأميركية آنذاك، إليانور روزفلت، لتلك التحديات، وقالت:“ إننا نصنع تاريخنا الخاص، ومن البراعة بالنسبة لنا أن نتمنى بدلا من ألا نتمنى، وأن نحاول بدلا من ألا نحاول".
لذلك بدأ فريق ضم دبلوماسيين ومفكرين ومن أهل القانون بالعمل على وضع خريطة عمل من أجل الخروج بوثيقة تضمن وتحمي حقوق الإنسان، حيث جرى النقاش والتداول، والتمعّن بدساتير جميع الدول الأعضاء، وغيرها من وثائق. وكان عضو اللجنة اللبناني شارل مالك مؤيدًا قويًا للحقوق الطبيعية، في حين ساهم المحاميان الكندي جون همفري، والفرنسي رينيه كاسان في صياغة الوثيقة، التي شارك فيها ثماني عشرة شخصية عالمية تنوعت توجهاتها وأطيافها وجنسياتها. وقام مندوبون من جميع أنحاء المجتمع الدولي بتنقيح الوثيقة. إذ أعربت وفود من أميركا اللاتينية عن ضرورة أن يتضمن الإعلان الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، والحقوق المدنية والسياسية، بينما شدد الوفد المصري على السمة العالمية للإعلان المقترح. كما مارست جمهورية الدومينيكان والهند والدنمارك ضغوطًا من أجل الاعتراف بحقوق المرأة.
وتواصلت النقاشات طوال ما يزيد على 80 اجتماعًا للجنة، كما جرى بحث ما يربو على 160 تعديلا. وفي نهاية المطاف تحقّق الإجماع. وقال المندوب اللبناني شارل مالك لدى طرحه الإعلان على الوفود للتصويت النهائي في الجمعية العامة، التي خيّم على من كان فيها من دبلوماسيين ومراسلين ومستمعين، جو من الخشوع، ”لقد ساهمت آلاف الأيدي والعقول في صياغته“. في النهاية صوّتت 48 دولة لصالح تبنّي الإعلان ذو الثلاثين مادة التي أكدت على الوعد بحياة تخلو من الاحتياج والخوف، ولم تصوّت دولة واحدة ضده.