آخر تحديث: 3 / 12 / 2024م - 7:35 م

إلى أين تتجه أزمة أوكرانيا؟

يوسف مكي * صحيفة الخليج الإماراتية

بلغ الصراع الروسي - الغربي، من خلال الأزمة الأوكرانية، حداً غير مسبوق، منذ انتهاء الحرب الباردة، في نهاية الثمانينات من القرن الماضي. وقد برز دور الدعاية الغربية في التحريض ضد روسيا الاتحادية، والاتهامات المتبادلة بين الغرماء، بأشكال فاقت كل تصور، لدرجة دفعت الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، وهو الحليف للغرب، إلى اتهام حلفائه بتغذية الخوف والهلع من حرب روسية على بلاده.

لقد أدى التسعير الغربي للحرب الإعلامية على روسيا، إلى الإضرار بالاقتصاد الأوكراني، ما تسبب بخسارة مئات ملايين الدولارات، وجعل العملة الأوكرانية تهبط بمعدل 8% مقابل الدولار منذ بدء الأزمة، وفقاً لتصريحات الرئيس الأوكراني، وبأن الحشود العسكرية الروسية على بلاده ليست جديدة، وإنما الجديد هو موقف الغرب منها.

السؤال الذي نحاول الإجابة عنه، والذي تصدّر هذا الحديث: هل سيشهد العالم، في الأيام المقبلة حرباً روسية على أوكرانيا، أم أن الضجيج الذي يجري حول الأزمة، يتم لأسباب أخرى؟

القراءة المتأنية للمتغيرات في موازين القوى الدولية، التي حدثت بشكل تصاعدي، لمصلحة روسيا والصين، وهلع أمريكا ودول الاتحاد الأوروبي، من هذا التغيير، توضح أن الخلاف الأوكراني - الروسي، رغم أنه، محور الأزمة الراهنة، إلا أن الأزمة في جوهرها هي استمرار للصراع الدائر الآن بين روسيا وأمريكا، من أجل تأكيد تفوقهما السياسي والعسكري على الصعيد الدولي، واكتساب مواقع نفوذ.

فالأمريكيون، ومعهم أغلبية أعضاء حلف الناتو، يعملون على توسيع الحلف، ليشمل دولاً كانت حتى وقت قريب، تابعة للاتحاد السوفييتي السابق، وإن لم يتمكن الغرب من تحقيق ذلك، فإن بديلها، هو إقامة قواعد عسكرية للحلف على الأراضي الأوكرانية. وفي الحالتين، فإن ذلك يشكل تهديداً ماثلاً للأمن القومي الروسي.

وتدرك روسيا جيداً، مخاطر التمدد العسكري الغربي، وتسعى جاهدة إلى لجمه، ملوّحة باستخدام القوة العسكرية، لمنع الغرب من تنفيذ أجنداته، في الحديقة الخلفية الروسية. وفي هذا الصدد، نشرت الخارجية الروسية نص رسالة بعثها الوزير سيرجي لافروف، في 28 يناير/ كانون الثاني، إلى وزراء خارجية الولايات المتحدة وكندا وعدد من الدول الأوروبية، أشار فيها إلى عدم عدم جواز تجزئة الأمن. ودعا إلى فهم مشترك لمبدأ الأمن المتكافئ، غير القابل للتجزئة، كأساس لهيكل الأمن الأوروبي بأكمله، يحدد الحقوق والالتزامات الأساسية للدول، والتزام كل دولة بعدم تعزيز أمنها على حساب أمن الآخرين. وفي الرسالة ذاتها، يشير لافروف إلى أن الغرب يتجاهل المبدأ الأساسي للأمن، ويغض النظر عن الوثائق التي لا تسمح بتعزيز أمن الغرب على حساب الدول الأخرى.

التدخل العسكري الروسي، في أوكرانيا، إذاً، مرتبط بنوايا حلف الناتو، والانتشار العسكري فيها، وليس ضمن الاستراتيجية الروسية، إلا في حالة تهديد أمنها القومي، بما يضع هذا التدخل في حالة الدفاع عن النفس.

إن الأدبيات السياسية الروسية، تشبّه ما يجري حالياً من صراع على أوكرانيا، بأزمة الصواريخ الكوبية، ونتائجها، التي حالت دون قيام الولايات المتحدة بغزو كوبا. بمعنى أن الأزمة الأوكرانية الراهنة، تنتهي بتراجع الغرب عن التمدد العسكري، في الجمهوريات السوفييتية السابقة، ومن ضمنها أوكرانيا.

الحكومة الروسية لا تخفي تعاطفها ودعمهما، للحركة الانفصالية في دونباس، التي ينطق أغلبية سكانها اللغة الروسية. وتدين ما تصفه بالنهج العنصري لحكومة أوكرانيا، تجاه هذا الإقليم. وتؤيد علناً حصول الإقليم على الحكم الذاتي.

الغرب من جانبه، يتمسك بحقه في الانتشار العسكري، بعموم القارة الأوروبية، من غير استثناء. ويستخدم في تمسكه هذا بالقانون الدولي، وبحق الدول في رسم سياساتها الداخلية، والخارجية من غير ضغوط من الخارج. ويعتبر الموقف الروسي، تجاوزاً على حق الشعوب في تقرير المصير، وتدخلاً سافراً في شؤون دولة مستقلة.

الوضع الراهن، لن يستمر طويلاً، فالتجارب السابقة، أثبتت أن الغرب، يتراجع عن مواقفه، متى ما تعلق الأمر، بالمواقع الاستراتيجية لغرمائه. حدث ذلك مرات عدة، تجاه دعم الغرب لتايوان أمام التهديد الصيني. وحدث ذلك في جورجيا وكازاخستان، وليس هناك ما يؤكد تمسك الغرب بموقفه، أمام صلابة الموقف الروسي.

روسيا من جانبها، تفضل أن يبقى الأمر على حاله، في حال تراجع الغرب عن التمدد العسكري، إلى أوكرانيا. ومن مصلحتها أن يبقى اقليم دونباس تابعاً لأوكرانيا، لأن فوائد ذلك تفوق كثيراً فوائد ضمه لأراضيها. إن ضم دونباس للأراضي الروسية، سيعرض الأخيرة لحصار اقتصادي وعزلة دولية، ويحرمها من منطقة نفوذ داخل الأراضي الأوكرانية، ما لا يخدم مصالحها، وما لا ترغب فيه.