آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 9:39 م

مجهول القلب

ليلى الزاهر *

يقول النبي الكريم ﷺ: «تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولجمالها، ولحسبها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك»

كانت امرأة فاتنة الجمال لكنه لم يعد يراها كما كان يراها سابقًا بل تأثّر بالمحيطين به في الوسط المادي، إنهم يريدونها موظفة تسكب في أحضانهم الأموال كل شهرٍ.

بدأ يتعمد إهانتها في كلّ شاردة وواردة ويعقد المقارنات بينها وبين أترابها من زوجات أصحابه الموظفات.

ضاقت بها الأرض بما رحبت وفضلت السكوت والاهتمام بتربية ابنتها الوحيدة، ولكن بدأت الأمور تتفاقم ويتسع الخلاف.

بدأت الكرامة تتبعثر هنا وهناك وأصبح حديثه يتمحور حول مساندة المرأة لزوجها وكأنه الخاتم الذي ختم الله به فضائل النساء.

كانت تقول: قاتل الله البصيرة الناقصة فأنا ربة بيت ناجحة أحب زوجي وأحب بيتي وأرى السعادة في إنجاز مهامي كربة بيت وزوجة مخلصة تنتظر زوجها بحبّ واهتمام كل يوم لتسقط عن كاهليه ضروب التعب، فتركتُ ذلك كله وعدت أدراجي لمنزل والدي بعد أن تذوقت معنى الاحتقار والتهميش وتحوّل الاهتمام عندي لشعور اللامبالاة بكل تفاصيله.

تذكرتُ قول جيفارا: «لا تعطي اهتمامك إلا لمن يستحق، فهناك بشر لا يزيدهم الاهتمام إلا تكبرًا»

‏ وقلت في نفسي: حقًّا يا عزيزي جيفارا من الحماقة بمكان أن تُفرّط في إنسان أعطاك جلّ اهتمامه، وتبيعه برخص التراب، لكننا وللأسف الشديد قد ننخدع بمظاهر الحديث البرّاقة التي لا تنتمي لأفعال أصحابها فالبعض يعدك بالإنجاز والحب ولا ترى منه إلا مرارة الألم وبخل المشاعر. وهناك صور نرسمها ناقصة لمن حولنا ولن تكتمل إلا بالمعاشرة الحقيقية لأننا لم نفهم أصحابها بالشكل المطلوب ولم نفهم لماذا هم بجانبنا؟

وكما يُقال: «في دستور الكبرياء، الاهتمام بمن لا يهتم بك إهانة لنفسك»

لذلك مهّد لنفسك انتشار ظاهرة فقد الآخر في هذا الزمن، ولا تثق بمكانتك في القلوب فربما تستيقظ يوما ما وتراهم بمشاعر مختلفة.

وإذا أردت امتحان من حولك جرب الرحيل فإذا سألوا عنك فقد ظلمتهم وإذا لم يُسألوا عنك لا تفكر بالعودة إليهم.

‏ومع تجاربك المختلفة وفي غضون عمرك كله لا تفتح للآخرين من غرف حياتك سوى غرفة الضيوف فما يزال مجهول القلب تحت الفحص المخبريّ، ومازالت جروحنا طريّة وقد عظُمت السنوات لتقع تحت طائل الخيبة مرة أخرى.

«إنّ في أعماقنا رعد وبرق وعواصف وأمطار، لا تُشير إليها الأرصاد الجوية أبدًا»

بالرغم من ذلك فهناك من نترك لأجله العالم بأسره لنشاركه الحديث وتأتي متعة الحرف من ثمار كلماته التي تشعرنا بالاهتمام بكل صغيرة وكبيرة في حياتنا، وتوقظ فينا حس جمال الحياة مرة أخرى، ويُعدّ جحود هؤلاء ضربا من الكفر بالخير.