آخر تحديث: 26 / 12 / 2024م - 4:16 م

الأب وما يملك لابنه‎‎

سلمان العنكي

لعل ما عنونت به عند القراءة الأولى مخالفٌ لما هو معروف ومألوف من قول إن ”الابن وما يملك لأبيه“ ولكن من يتابع حاضرنا ويقارنه بماضينا يحقق نتيجة مفادها موافقته لما نعيشه.

ولدتُ ونشأتُ في أسرة غنية بإيمانها وموالاتها فقيرة في مالها. في السابعة من عمري ”أي قبل إحدى وستين سنة مضت“ أرسلني والدي رحمه الله لمعلم قرآن صباحاً. وعصراً أساعده في الزراعة بالأعمال البسيطة التي تناسبني آنذاك.

في سنة «1382 هجرية» التحقت بالمدرسة النظامية وكانت حياتي متزامنة بين الدراسة والزراعة مع الذهاب بمنتوجاتها إلى سوق الخضار بالقطيف صباحاً لبيعها وبعدها التوجه مباشرة للمدرسة مشياً ”والتي كانت تبعد حوالي أربع كيلو مترات عن سكنانا“ ومساءً لسوق القديح ”الوادي“ لنفس الغرض ثم الرجوع للمذاكرة على ضوء سراج من الفتيل ”زملائي يتذكرون هذا“ مع ذلك أنا محظوظٌ لأن كثيراً من أترابي محرومين من التعليم ومقتصرة حياتهم على مشاركة الأب والأقارب فيما يمارسونه من أعمال أو عند آخرين بأجر لا يتعدى خمسين ريالاً في الشهر ويستمر هذا الفتى شيئاً فشيئاً مجمعاً دخله حتى يتهيأ للزواج بالاعتماد على نفسه بتكاليف متواضعة في عرس ”الكل يشارك في تجهيزه الأهل والجيران نساء ورجال كبار وصغار“ والسكن مع الوالد أو ضمن العائلة الكبيرة أو مع قريب له إن كان يتيماً دون رفض قبل الزواج أو خلاف بعده ”وأغلب بيوت القُرى أكواخ من سعف النخيل“ حياة فيها التقبل والبساطة وتحمل الآخر ومن يخرج من بيت أبيه يعتبر عاقاً يتعامل معه المجتمع بازدراء ويكلَف بمساعدة والده مادياً.

أما أنا فاستمرت السفينة تبحر بي بين هدوء الأمواج وتلاطمها مرة تقترف من الشاطئ فاشعر بالأمان وأخرى تغوص في الأعماق فأيقن بقرب الفوات إلى أن تخرجتُ من جامعة الملك عبدالعزيز ”بمدينة جدة“ ووهبني سبحانه وتعالى من خيرات نعمه أولادا منهم المستشار والمهندس ومن يعمل في التجارة والاستشاريات في الطب فله الحمد على ما أعطى.

زمان مضى لا أجهزة اتصال لا أدوات تعليم لا مواقع تواصل لا صالات رياضية أو ترفيهية لا أسفار لا جديد من اللباس ”إلا ما نذر في العيدين للمقتدرين“ لا وسائل نقل متعددة كما هو الحال كان التنقل في الأرياف على الأقدام مع حمل ما تستطيع على الرأس أو على ”الحمار“ هي حياتنا قاسيناها بمرارة عيش ومتاعب عمل غير أنها لا تخلو من حلاوة هدوء وصفاء نفس ابن السبعين أدركها.

إلى أن تغيرت مجريات الحياة لما نحن فيه رخاء بعد شدة نِعم تتوالى علينا فهل من شاكر لها؟ أو عِبرة ومقارنة اتخذها شبابنا وهم واعون مستفيدون منها؟ أمسينا يُجَهز للمولود قبل ولادته أرقى الماركات تتلوها متنزهات وأسواق تخير ما تشتريه وتأكله والبس ما يعجبك.

تحت تصرفك وسيلة نقل أين تريد توصلك وحتى وإن تجاوزت العشرين أبوك يدللك خيارات متاحة متنوعة في وطنك وخارجها لا حاجة أن تعمل أثناء دراستك أو تتكلف الحصول على مال أبوك يوفر مصروفك دون منقوص ويزيدك بل ويرافقك في بلد دراستك إن احتجت يزوجك يسكنك تغير أدواتك الاكترونية وسيارتك وملابسك متى شئت فهل نحن منتبهون لشدة الأمس وقسوته ورخاء اليوم وبحبوحته؟ أم ننتظر حتى تأتي شدة بعد رخاء وحينها نقول أسفاً على ما فرطنا في النعم ولعبنا بها وكثيرنا كان محروماً منها ولكن وقتها دون جدوى وبعد فوات الأوان. وأخيرا نقول ”ألا يناسب عنواننا هذا“ إن الأب وما يملك لابنه؟