آخر تحديث: 26 / 4 / 2024م - 1:52 ص

بدايات النفط وذاكرة الواحات

أثير السادة *

علاقة أرمكو بمجتمع البادية هو عنوان الكتاب المصاحب للعدد الأخير من المجلة العربية، عنوان مغري لمادة تناثرت أخبارها في العديد من الرسائل والوثائق والدراسات الأجنبية، وهنا يحاول الكاتب الدكتور عبدالرحمن الأحمري أن يستقصي هذه الأخبار من خلال المتاح من شهادات المسئولين الأجانب آنذاك، ومن خلال ما دونوه من شفاهيات منسية لرجال البادية الذين التحقوا بصفوف العمل سواء كموظفين أو أدلاء أو رواة في ما عرف آنذاك بقسم الأبحاث.

هذا الإصدار يرشدنا إلى البدايات وملاحمها، دون الخوض كثيرا في أسئلتها الاجتماعية، يذكرنا بمهن البدو وأدوارهم في لحظة التأسيس، ولا يكشف لنا طبيعة التحولات التي حملتها هذه المرحلة لمجتمعات البادية، الأمر الذي يدفعنا للتفكير في الصورة المقابلة للبادية، وهي الحواضر المحيطة بمواقع أعمال الشركة، بالخزان البشري الكبير الآخر الذي أخرج الناس من مكابدات البحر ومواسم النخيل، باتجاه وظائف جديدة لا عهد لهم بها.

الذاكرة الشفاهية لبدايات النفط في مدن وقرى القطيف على سبيل المثال لم تعرف طريق التدوين، هذه الانعطافة التي قلبت صور المكان وصور الناس فيه تكاد تغيب تفاصيلها مع رحيل الرعيل الأول، لا نعرف كيف استقبل الناس خبر التوظيف في الشركة، ومن كان أول الواصلين إلى هناك، وأي البلدات والجماعات كانت أكثر حماسة للانخراط في العالم الجديد.. لا نعرف ماهية أدوارهم ولا حدود الجغرافيا التي انتشروا فيها.

في واحدة من الإشارات العابرة ضمن حوار للسيد عدنان العوامي، أبو سيد أحمد، يذكرنا بموقف فقهي معارض يومها، كان ينظر فيه علماء المنطقة لمسألة خدمة الأجانب المسيحيين، هذا اللون من السجالات الاجتماعية خارج دائرة التدوين، لا نعلم ما أثره ولا امتداداته في تلك اللحظة، ولا كيف ينتهى، ولا نعلم الكثير عن المواقف المترددة والتي تتصل بطبيعة الرهانات الاقتصادية لأبناء القرى، وصعوبة التخلي عن رعاية الزرع والضرع، والذي انتهى في حالات إلى ممانعة لركوب موجة النفط.

يبدو الحديث عن تأثير الشركة في التحولات الاقتصادية والاجتماعية للمجتمعات المحيطة مألوفا، لكن ما هو غير مألوف ومتداول وصف هذه التحولات من داخل هذه المجتمعات، وبلسان شهودها، هذا التواصل الانساني بين الاطياف الاجتماعية المختلفة ضمن فضاءات العمل الجديدة أنتج وعيا جديدا، كما أنتج طبقة اجتماعية أصبح يشار لها لاحقا بكثير من التمييز، كعلامة فارقة في المزاج والسلوك والرفاه الاجتماعي.

علاقة أرامكو مجتمع القطيف يمكن أن تكون مادة خصبة لاستنهاض ذاكرة البدايات والتحولات، ذاكرة لا دليل إليها اليوم إلا ما تناثر من أخبار في الصحف القديمة، والكتب الأجنبية، ولعل الوقت لم يفت لتدوينها ودراستها، لاستكمال فصل من تاريخنا المعاصر لم يكتب بعد، ويكاد رواته أن ينقرضوا قبل أستكمال المهمة.