آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 9:39 م

العمل التطوعي في المفهوم الإنساني

أمير بوخمسين

العمل التطوعي مفهوم ينطلق من روح الإنسانية، وليس مرتبطاً بدين أو مذهب أو أيدلوجيا، فهناك الكثير من الفئات المجتمعية من مختلف التوجهات والأطياف تقوم بالعمل التطوعي وخدمة المجتمع في مختلف الميادين، هؤلاء ليس بالضرورة مرتبطين بدين ما أو أيدلوجيا، وإنما الدافع الرئيسي الذي يعتبر المحور المركزي لهذا التطوع هو الفطرة الإنسانية والغريزة التي لا تميّز بين دين أو جنس أو جنسية، فالكل يسعى لعمل الخير انطلاقا من الشعور بالرضا والطمأنينة الشخصية وخدمة الآخرين.

والسؤال الذي غالبا يسأله الكثير لماذا الدول الغربية تقدمت وبرزت في عملية التطوع وتأخرت في الدول العربية والإسلامية؟!

حركة التطوع في الغرب تعتبر متقدمة ومتطورة ساهمت بشكل فعّال في بناء ثقافة تطوعية مجتمعية وتنوعت أشكال أعمالها في ميادين الخير بصورة مختلفة، كمساعدة الفقراء والمحتاجين وبناء دور الرعاية الصحية والاجتماعية وتهيئة هؤلاء لسوق العمل عبر توفير الكثير من البرامج والدورات التدريبية وغيرها. كذلك تبرع الكثير من أغنيائهم أصحاب المليارات بنصف ثرواتهم من أجل إنقاذ هذه الشعوب ودعمها. فالعمل التطوعي هو منظومة القيم والأخلاق والسلوكيات التي تدفع لعمل الخير من دون إلزام أو إكراه.

وارتبط العمل التطوعي بالثقافة الغربية بالقطاعين العام والخاص، الذي لن يستطيع تلبية حاجات المجتمع بالكامل وبالتالي وجد العمل التطوعي لسدّ حاجة الكثير من الأسر والعوائل التي ضاقت بهم الدنيا والغير قادرة على توفير حاجاتها الأساسية كالسكن والمأكل وغيرها. وابتكرت الكثير من المؤسسات والمنظمات والجمعيات الخيرية للأعمال التطوعية في الدول الغربية وفعلّتها وكانت لها نتائج إيجابية وأنفقت المليارات في عمليات الإغاثة والأزمات حول العالم. كل هذا التقدم والتطور في العمل التطوعي في الغرب حوّل المؤسسات المرتبطة نسبياً بالدولة إلى مؤسسات المجتمع المدني الأكثر حرية واستقلالية في اتخاذ قراراتها وأهدافها، والقائمين على العمل التطوعي في تلك الدول ليس هدفهم مادي أو نيل شهرة، فالكثير من الصحفيين والأطباء ومتطوعي الإغاثة الذين ذهبوا ضحية حروب وكوارث من أجل مهام إنسانية ونسيهم العالم.

أما في عالمنا العربي الإسلامي فمفهوم العمل التطوعي المتأصل في الإسلام ومصادره الأساسية كالقرآن والأحاديث النبوية الشريفة جاء متأخراً بالرغم من تأكيد تلك المصادر على أهمية التطوع ومساعدة الآخرين، قال تعالى ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وفي الحديث ”لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه“ فالكثير من الأحاديث والأدلة الشرعية أكدت على العمل التطوعي، إلا أن الكثير من الناس ذهب وراء أمور ثانوية وغير مهمة اعتبرها الطريق الوحيد الأسلم لرضا الله والوصول إلى الجنة، مما نتج عنه ابتعاد الكثير من أبناء المجتمع عن العمل التطوعي بحجة أن يسبب لهم نقد ونفور من قبل المجتمع نتيجة المسؤولية الملقاة على عاتقهم، وبالتالي الانعزال عن الناس.

لذلك أصحاب المنابر الإعلامية من مثقفين ومفكرين ورجال دين وصحفيين وأصحاب وسائل التواصل الاجتماعي تقع عليهم المسؤولية في تشجيع الشباب من رجال ونساء بالنهوض بالعمل التطوعي وزرع الروح الإيجابية لديهم عبر ترسيخ مفاهيم وقيم الإيثار ونكران الذات. إن المطلوب استثمار هذه المرحلة التي تمر فيها بلادنا بمأسسة العمل التطوعي والخيري والعمل على إنشاء مؤسسات تطوعية لخدمة الناس في مختلف المجالات.