آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 1:42 ص

الجميعُ يشكُّ ويظن

ليلى الزاهر *

بينما كانت ابتسام وفاطمة تشربان القهوة في جوّ مخملي، دافىء الأنفاس خرجت تلك الأوهام من رأسها وصاغها لسانها قائلة: بلا شك هو يفكر في أن يتزوج بأخرى.

أجابتها ابتسام بتهكم:

كم من المرّات التي قضيتها وأنت تبحثين في مكالماته الصادرة والواردة؟

ماذا تريدين أن أقول لك؟

قُصِّيهِ، تتبعي أثره كي تبصري دلائل نصْرك!!

عزيزتي مرّ على زواجكما أكثر من عشرين عامًا لاتقتلي متعة حبه لكِ، ويكفيكما تلك المشادات الكلاميةالتي لاطائل منها سوى جلب الهموم والمتاعب لحياتكما.

انتهى حوارهما ولكن مازالات مسلسلات الشك والظن تمتلك زعامة النوايا الخبيثة.

الجميع يشكّ ويظن ويسحب بذلك جمال الحياة، ويجعل من نفسه أضحوكة يفرح بها الشيطان.

نظن ونشك بأقرب الناس لنا وكأن الشيطان نذر على نفسه أن يوقع الحروب بيننا فالشيطان يجري في أعماقنا مجرى الدم، ولن يشعر بالراحة إلا بعد أن يوثق العهود مع أتباعه بالانتصار على الإنسان.

ويعد الظنّ في طليعة أعمال الشر الإنسانية لذلك اتخذه الشيطان سبيلًا يسلكه في قلوب المسلمين لأن سوء الظن يُفضي بصاحبه لأمور سيئة كثيرة منها التجسس والحسد والغيبة وتتبع عورات أخيه المؤمن يقول الحق تعالى في كتابه الكريم:

﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَ لا تَجَسَّسُوا وَ لا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ «سورة الحجرات: 12»

فأول شرارة يحدثها الظنّ التّأكد من صحة مايدور برأس صاحبه فيلجأ لإثبات ذلك بتتبع أخبار أخيه، ويتصدر الموقف ذلك المدعو بالتجسس ثمّ تعقبه الغيبة بالسؤال المباشر أو غير المباشر ويلي ذلك تتبع الأخبار حدثا بعد حدث حتى الوصول لأحد الأبواب فأما هي الشماتة أو غيرها من المشاعر المتضادة كلّ بحسب غرضه.

يقول الشاعر أحمد شوقي:

ساءتْ ظنونُ النّاسِ حتى أحدثوا

للشك فى النّورِ المبين مجالا

والظنّ يأخذُ من ضميرك مأخذا

حتى يريك المستقيمَ مُحالا

الظنُّ خندقٌ عميق يدفن فيه صاحبه راحته وسَكِينة نفسه وهو أكذب حديث تُحادث به النفس الإنسانية وجدانها كما وصفه بذلك الرسول الكريم حينما قال مُحذرا:

«إياكم والظنَّ، فإنَّ الظنَّ أكذب الحديث»

والشك هو الصديق الحميم للأرواح الضعيفة يتطاير شراره فيحرق جمال النوايا وصفاء السريرة، ولايمكن علاجه إلا بالحب

فالحبّ من أسمى المشاعر التي يجب أن نحارب بها آفة الظن فهو أساس الفطرة السليمة، ومبعث الحق الراحة والاطمئنان، ولن تقرّ لك عين في الجنان إلّا إذا أحببت لأخيك ماتحبه لنفسك.