آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 12:07 ص

الانحراف الثقافي

جهاد هاشم الهاشم

يعتبر الإنسان وعلى مر العصور هو العنصر الرئيس في تطور أي مجتمع من عدمه، فهو المحرك الفعلي لعجلة التقدم والنمو. وكلما ارتقى مناهل العلم بجميع مجالاته المتعددة؛ كلما انعكس ذلك بشكل إيجابي وأصبح ذلك المجتمع متألقا يحيطه نور الإبداع وحسن الخلق. وبالتالي إلى مزيد من العلم والرخاء والمثل العليا.

وتعرف الثقافة من منظور علم الاجتماع بأنها «الحضور الذهني» للفرد بمعنى أنه أصبح هذا الرجل وكذلك المرأة فطِنان ويتمتعان بسرعة البديهة وخبرات واسعة، وفي فروع متنوعة ويقصد بكلمة «ثقافة» هي كل ما ينير العقل ويهذب الذوق، ويزيد موهبة النقد البناء والاطلاع الواسع والشامل في مختلف أصناف المعرفة.

إن الثقافة والتحصيل العلمي هما دعامتان في عالم السمو الفكري بل يعتبران كذلك من أهم أعمدة بناء الأخلاق الفاضلة، وتشييد المبادئ والقيم المتجدرة لأي مجتمع يسعى لأن يتبوأ مكانةً جاذبة محترمة راقية بين أمثاله من المجتمعات والأمم التي يشار لها بالبنان في تقدمها الحضاري والإنساني. ومما لا شك فيه أنه بالثقافة تُبنى الأوطان، وتسير في ركب التطور. ومن خلال ذلك تزول الرجعية ويُقضى على التخلف والفقر، ويندثر الجهل ويبرز الأمن والأمان والاستقرار النفسي وغيرها الكثير من الأحداث التي من الممكن أن تؤخر نجاح الأمة وازدهارها. إذا لا مناص من الالتحاق بركب أهل الجد والاجتهاد والمثابرة ممن نذروا ذواتهم وبذلوا الغالي والنفيس من أجل انتشال الأمة والإنسانية جمعاء من الضلال إلى عالم كله تفاؤل تجاه مستقبل واعد مليء بالأمل. فالأمة لا تحيا حياة العزة والكرامة إلا بنور العلم المحاط بالإيمان وتقوى الله.

يقول تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [سورة المجادلة الآية 11].

والمتتبع لبعثة الرسول الأكرم محمد - ﷺ - لا يجدها إلا رحمة وهداية وصلاحًا في الدنيا والآخرة للبشرية جمعاء.

يقول الحق تبارك في علاه: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ [سورة الجمعة الآية2].

إذا ما جاء في الآيتين الكريمتين هو واضح كالشمس في نهارها! إذ أنه لا يقوم أي مجتمع وينهض ويصبح في ذروة التألق الأخلاقي والإنساني والمعرفي إلا من خلال توجيه البوصلة والأخذ معها بالناشئة من أبناء مجتمعنا ذكورا وإناثا لعالم بعيدا عن تلك المهاترات المزعجة والسلوكيات الهابطة، واتباع أهوائنا وميولنا ورغباتنا الأمارة بالسوء التي تتمثل في التغني بما يسمونه ويصفونه من يحلو لهم ذلك الوضع المُعاش أنه زمن لم يعد كما كان فيه الأجداد والآباء من حشمة ووقار واحترام الذات؛ بل ذهب نفرٌ منهم ليس بالقليل إلى القول وبصوت عال: أن ما كنا عليه من وازع وخجل ما ذلك إلا «عادات» أصبحت في خبر كان! وكأن ما لا يجوز بالأمس بات مباحا اليوم! لدرجة أن البعض كسر حاجز الجواز من عدمه بناء على ما تمليه عليه نرواته والاستسلام لملذاته حتى وصل الحال لمستوى متدنٍ مع شديد الأسف من مظاهر اجتماعية مخزية لا يقبلها المنطق والشرع والعرف. والابتعاد بأنفسنا عن تعاليم ديننا الغر ونتيجة لذلك الواقع الأليم بات كل جميل من قيمنا الجليلة تحت رحمة اللا معقول بل والأدهى من ذلك أصبح اللا معقول هو المنطق؛ بينما بات المعقول عند بعضهم قياسا على ما تزين لهم أهوائهم من العبث بكل المقدرات والمكاسب القيمية الإنسانية الموروثة الأصيلة التي تناقلناها جيلا بعد جيل، والتي لا شك هي المنطلق الحتمي لكل فرد يسعى أن يضع نفسه موقع التقدير والاحترام، والبعد عن صغائر دنيوية نتائجها حتما لزوال والقصد أو المعنى هنا وكما يقال في قلب الشاعر والله المستعان.

ومن المنطق بمكان أنه لا يختلف عاقلان على أن الطريق الأكثر جودة وصوابًا هو تمكين أشبالنا والأخذ بأيديهم نحو يقظة علمية معرفية أخلاقية نستثمر فيهم كل ما من شأنه رفعة وتقوية بلادنا والسير بها تجاه الأفضل حتى نصل لما ينبغي أن نرى فيه مجتمعاتنا وطننا الغالي والمعطاء في أعلى مراتب الحكمة تجاه جميع ميادين التفوق والشموخ.