جدل توطين المرجعية الدينية!
لا تنال المطالب بالتمني، وتُدرك الأهداف بمقدماتها الصحيحة، في الطرح الذي أنساب إلينا من أساتذة أكاديميين تبدى لي وكأنه نقيض يخشى من نقيضه وفيه ذاك النوع من الخطأ الذي يسعى الباحث به ومن خلاله إلى تبرير الواقع أو تزكيته.
المقال يفترض يقينا مفقودا، ثم يقرر على الجميع العمل به وبما ينشأ عنه، وإن هذا ضرب من ضروب المغالطات المنطقية - غير الواعية - ربما - الأفكار دائما تغرق في طبقات كثيفة من الالتباس، وإشكال التوصيف، وعلة المفاهيم التي تخذل البلغاء والمتكلمين أحيانا، ولعلي أوجز دون أن ألجأ إلى الاستدلال لعدم الحاجة إليه، لأنه فيما يفترض - بديهي الحضور - عند من يتصدى لهذه الأطروحات بوصفها مشاريع بديلة عن واقع قائم.
أولا: ثمة فارق جوهري وحقيقي بين «الانتخابات» وبين الفقاهة لأن الأولى يجوز فيها «الترشيح والتزكية» من الناس عامة، والثانية لا يقبل فيها غير شهادة «أهل الخبرة والاختصاص» كما أن المرجعية تفتقر إلى النزاهة والعدالة والتقوى في أعلى مراتبها وبذا تصبح ملكة الاجتهاد وحدها ليست كافية لوجود شروط مكملة تمثل مجتمعة مقدمة واحدة لا غنى عن واحدة منها. والذي فعله الأساتذة هو تصدي لمنح شهادة الفقاهة والاجتهاد لغيرهما دون أن يكون هما مؤهليين فقهيا لمنح هذه الشهادة لأحد أو نزعها عن أحد.
ثانيا: أتصور لا يليق أن نتخلص من واقع الحاجة إلى إعادة إنتاج المقدمات الموضوعية الناضجة والصحيحة في إنتاج «الفقهاء»، وهذا يحتاج إلى شرعية «المؤسسة الدينية الشيعية» في إطارها الوطني «كما هو مطروح الآن في الرؤية لسمو ولي العهد «حفظه الله وسلمه» وذلك بتجديد الخطاب الديني وتجاوز أحدية الفتوى والمذهب والقبول بالتنوع والاختلاف الديني بالمطلق والأبعد من الإسلام نفسه ليستوعب ويتقبل المجتمع أتباع الأديان والملل الأخرى».
ثالثا: لا ينبغي أن تطرح هذه الرغبة الجموح، وكأن غيرها يناقض الوطنية أو يتعارض معها شكلا أو موضوعا، «إن المملكة تمثل مرجعا فقهيا» لعدد غير قليل من كل دول العالم الإسلامي وأوربا، ويمثل أئمة الفقه فيها مرجعية وحيدة لهم، ولا ينظر أحد إلى هذا بوصفها «دخيلة سوء» على وطنية أحد!. أو تعكير لصفاء انتمائهم إلى أوطانهم!. لأن العلم والمعرفة لا ينتسب إلى عرق أو جغرافيا ولا يحمل جواز سفر!. وإن الإنسان ينال المعرفة المتخصصة من المؤهلين لإنتاجها بما فيها المعرفة الدينية. ولذا ولى الإيرانيون والعراقيون وجوههم تلقاء القطيف والأحساء والبحرين حين كان فيهم أئمة فقه وتقوى متخذين منهم أئمة دليلا وهديا.
رابعا: إذا أردنا للفقه أن يكتمل يجب أن لا نسيسه..! ويجب أن لا تكون السياسة طرفا في إنتاجه أيضا، يجب أن يظل الفقه نقيا كما هو، ومتعاليا عن غيره، معنيا بالشريعة فهما، ووعيا، وأن لا ينشغل بغيره، ولكي يتحقق ذلك يتعين أن نفتح الأبواب لكل موسوعات الفقه بالدخول دون حرج، وأن نستضيف كبار علمائه، وأن نبعث النوابغ من أولادنا للمراكز الدينية في جدول ابتعاث يتكفل بكافة نفقاتهم ومعاشهم، وأن يشرف على تحصيلهم وأبحاثهم علماء متخصصون وأن يكون هذا في إطار مشروع وطني حقيقي لإنتاج الفقهاء وصناعتهم من خلال المقدمات الحقيقية للوصول إلى هذه الغاية النبيلة والسامية.