آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 7:35 م

أي مجالس ادارة نريد وأي أعضاء نؤهلهم؟

عبد الغفور الدبيسي

انتهت فترة الترشيح لأعضاء مجلس الإدارة القادم في جمعية تاروت الخيرية حيث تقدم 25 اسما من رجال وسيدات المجتمع إلى تحمل هذه المسؤولية في انتظاراكمال الموافقات تمهيدا لاختيار أحد عشر عضوا منهم. أسأل الله أن يكتب فيهم جميعا الخير ويوفق المجتمع لانتخاب اصلحهم ولا يفوتي التنويه بشجاعة النسوة اللاتي تقدمن للترشح للمرة الأولى في تاريخ الجمعية فلهن كل التحية وأرجو من المجتمع أن يتفاعل مع ترشحهن ويدعم اختيار أحدهن على الأقل ليكون التمثيل النسوي الأول في مجالس إدارة الجمعية. وعلى المجتمع أن يدرك أن المرأة أقرب إلى طبيعة عمل الجمعية من الرجل فصميم عمل الجمعية التعامل الأسري مع أيتام وأرامل ومطلقات وأهل الضعف والحاجة في مأكلهم ومسكنهم وتعليمهم والمرأة أكثر قدرة على التواصل في هذه البيئة.

لكن السؤال الأهم هو عن معايير التأهيل لعضوية المجلس؟ طبعا ومن جهة رسمية لا يوجد الكثير فالعضو المتقدم للترشح يكفي أن يكون عضوا مشتركا لأكثر من 6 أشهر ولديه الأهلية القانونية المعتبرة. ولقد تم التفكير في امتحان تأهيلي في وزارة الموارد البشرية وتم تصميم الامتحان كنوع من امتحان القدرات على منصة قياس وتم تجريبه لمجموعة محدودة ووقف الأمر عند ذلك ولم نستطع الحصول حتى على تغذية راجعة عن كيف أبلت العينة التجريبية في الامتحان «سمعت أن هناك تخوفا من عزوف أكثر عن التقدم للترشح مع وجود الامتحان التأهيلي». أرجو أن يلتقط «المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي» الخيط من هنا ويفعل هذه الأداة بشكل مناسب.

إذا خارج الأطر الرسمية الإلزامية ماذا يؤهل العضو ليكون مديرا في مجلس المديرين؟ طبعا لا تختلف إدارة الجمعية عن إدارة أي منشأة أخرى ولا يختلف مديروها عن مديري غيرها من المؤسسات الربحية في جوهر دورهم وعليه فإن التأهيل التي تتطلبه الجمعيات ربما هو أكثر مما تتطلبه مجالس الشركات والمؤسسات الربحية من حيث اللياقة الإدارية والفنية والأخلاقية.

دعني أبدأ أولا بتبديد وهم شائع لدى الناس ربما عززه الواقع الممارس وهو أن كل متطوع راغب يستطيع أن يصبح عضو مجلس إدارة في الجمعية. وهذا خطأ فاحش. فأن تكون متطوعا يعطي من وقته قليلا أو كثيرا لأداء أعمال ومهمات تنفيذية في لجان الجمعية شيء وأن تكون عضو مجلس إدارة يمارس دور التخطيط والإشراف والتوجيه شيء آخر تماما. طبعا كل عضو مجلس إدارة هو بحكم النظام متطوع حيث لا يجيز النظام أخذ الأجر على هذا الدور لكن ليس كل متطوع يستطيع - عمليا - أن يكون عضوا في مجلس إدارة ناهض بالدور والمسؤوليات التي أناطها النظام به.

في الوضع الطبيعي لمجالس الإدارات يحتاج العضو - في نظري - إلى هذه الأمور ليصبح مؤهلا «بشكل موجز وبسيط»:

• إلمام بالجانب الذي سيديره أو يترشح لإداراته. يتحسس بعض مشاكله ويعرف شيئا من تاريخه والقوانين التي تضبطه وتنظمه «القطاع غير الربحي تحديدا هنا والجمعية التي يترشح لإداراتها هل يعرف مكتبها؟»

• ذهنية قيادية تستطيع أن تنظر بعين واسعة وتستشرف المستقبل ولا تغرق في التفاصيل اليومية. قيادة رؤيوية إن صح التعبير

• إلمام معقول بمهارات الإدارة العامة عن معرفة وممارسة من قبيل إدارة الوقت وإدارة الموارد المختلفة والتخطيط والجدولة وتطوير الأهداف الاستراتيجية والتكتيكية والقدرة على التفاعل بشكل مرن ضمن الفريق. والممارسة مهمة هنا وعدم وجودها في التاريخ المهني للفرد يجعل من العسير عليه تعويضها

• إلمام معقول بالجوانب المالية في المنشآت والقدرة على قراءة وفهم التقارير المالية ووضع الموازنات حيث سيكون من ضمن مهامه مناقشة الموازنات والموافقة على التقارير المالية المختلفة

• مهارات وملكات شخصية أخلاقية وسلوكية لا تقل أهمية كالأمانة والنزاهة والانضباط والموضوعية والبعد عن الذاتية والقدرة على النقاش وتدوال الرأي بصدر واسع والحضور الاجتماعي

ربما يضاف إلى الصعوبة في القيام بهذا الدور الوضع الإداري غير المتطور في كثير من جمعيات محافظتنا. كثير قد يأتي إلى الجمعية من القطاع الخاص متعودا على رؤية كل شيء جاهز «الهياكل الإدارية والأوصاف الوظيفية واللوائح والأدلة» وكل موظف يعرف دوره وحدوده. ليس الوضع هكذا تماما فكثير مما ذكرنا أما غير موجود وأما موجود على الورق فقط لإخراجه لممثل الحوكمة الزائر. هذا الوضع يلقي على أعضاء المجلس مسؤوليات إنشاء هذه البنى التحتية حتى يستطيع أن يتقدموا. وكما هو معروف في علم الإدارة فإن بناء البيئة الضرورية أصعب بكثير من بناء النظم والأدلة. وإذا ما علمنا أن جمعياتنا العريقة لا زالت طوال عشرات السنوات محكومة بأساليب وبيئة عمل عتيقة متقادمة فإن عبء التغيير والتطوير يصبح أكبر على مجالس الإدارة.

لقد خطت الوزارات الحكومية في الآونة الأخيرة خطوات واسعة «بالفعل واسعة ومتطورة» من نواحي التشريع والحوكمة وخاصة في ظل مستهدفات الرؤية بحيث أصبح اللحاق بها ضروريا لأي منظمة تريد البقاء. وهناك خطوات قادمة. القطاع غير الربحي الآن يطور بمعايير مهنية عالمية وبدأ هذا القطاع ينفتح بشكل تدريجي على التجارب العالمية والمتابع يدرك ما أقول. إذا ما أراد أي مجلس اليوم اللحاق بالركب فعليه أن يتمتع بديناميكية عالية وقدرة على التنفيذ والتغيير وهذا - ما لا شك فيه - يتطلب أعضاء على قدر عال من المهارة والحركة ذوي مواصفات عالية

طبعا إدامة الوضع القائم - أيا كان - وتسيير الدفة لا تحتاج إلى كثير عناء. بإمكانك أن تدع الأمور على ما هي عليه وصدقني: لا أحد سيلومك!

هناك الكثير ممن يستطيع أن يسير ولكن قليل من يستطيع أن يغير. مجالسنا تحتاج إلى أعضاء يعملون كمحفزات للتغيير.. إذا ما استعرنا التمثيل الكيميائي.

التغيير اليوم ليس خيارا ولكنه فرض لمن يريد البقاء.