آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 7:41 م

أعظمُ رجل عربي بعد النبي محمد

ليلى الزاهر *

«قراءة تحليلية في كتاب الإمام علي صوت العدالة الإنسانية»

بعض العظماء شعلة ضياء نمسكها جيدا بأيدينا لأنهم نور نبصر من خلالهم أهداف حياتنا، أصواتهم مازالت تخرج من حناجرهم القوية حتى وإن توارت أجسادهم تحت التراب.

كتاب «الإمام علي صوت العدالة الإنسانية» موسوعة كاملة عن الإمام عليّ بن أبي طالب بقلم الكاتب المسيحي جورج جرداق، تقع هذه الموسوعة في خمسة أجزاء وملحق.

سلّط فيه الكاتب الضوء الساطع على أسرار جليلة من حياة الإمام علي ليوضح النموذج الأمثل لأعظم رجلٌ عربي بعد الرسول ﷺ، تصدى لسيرته بالبحث والتحليل، وترنّم مُنشدًا مثل شاعر متيّم بسيرة بطل هُمام تصاعد ذكره وتحدثت بطولاته عنه فطار خبره، وانتشرت مآثره بين المشرقين، وعلا نجمه فوق بقاع العالم.

لقد تجسدت في شخصيته جميع معاني الحكمة والعدالة وفنون الشجاعة والقيادة المثلى.

بداية أودّ أن أصارحكم القول بأنني عندما بحثت في شخصية الإمام علي أردت الابتعاد عن أقوال المغالين في حب الإمام وأنصّتُ لصوت الحقائق المبعثرة بين تاريخ وآخر وبين منعطفات الأزمنة المختلفة، ثمّ لاحظت شيئًا مهما وهو كيف لحياة الإمام أن تلهب مشاعر الكثير من الكتاب فتُطرب أقلامهم وينسجون حقائق ساطعة في عالم رجل حقيقي قلّما يتواجد مثله.

لم أسمع صوت أمي وهي تنادي «يا علي»، أتعرفون لماذا؟ ولا حتى صوتي وأنا أرتجل «يا علي» أثناء ولادتي حتى لا يكون حب الإمام في قلبي موروثا فقط.

يولد الجميع وفي عنقه إرث ثقيل من الموروثات المختلفة - ماعدا إرث المال بلاشك - فقط من يمتلك التفكير المنطقي والقدرة على التحليل والمقارنة والاستنتاج يسهل عليه التخلّص من هذا الإرث أو الاعتداد به.

والكثرة الساحقة ذات تفكير محدود شأنها شأن القطعان تتبع رعاتها إلى المسلخ أو للمرعى.

وحاشا حب علي أن يكون موروثًا ثقيلا بل كان الطريق الذي فتح لي منارات كثيرة استطعت تشييدها في أعماق نفسي.

لقد قرأت كتبا كثيرة عن حياة الإمام علي ، وقد كان يدور بخلدي أن أعرف عنه الكثير.

وكما قلتُ لكم كنتُ أرفض أخْذ طرف من سيرته عن رواية أمي التي تلهج بذكر أسراره؛ لأنني ببساطة لا أنتمي لثقافة القطيع ولا أنعق مع كل ناعق ولأنني أعشق سيرة أمير المؤمنين سرتُ على نهجه في البحث عنه.

إن مهمة البحث عن رجل عربي عشقتُه بعمق مهمة تستغرق زمنًا طويلًا، وكم كنت أتمنى رؤيته في عالم النوم لأخبره أن الغلو بدأ يلاحقني في حبّه وليخبرني هو كيف لي أن ابتعد عن طريق الهمج الرعاع كما يقول :

«النّاس ثلاثة: فعالمٌ ربّانيّ، ومتعلّمٌ على سبيل النّجاة، وهمجٌ رعاع يميلون مع كلِّ ريح، وينعقون مع كلِّ ناعق، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجأوا إلى ركنٍ وثيق»

@@نهج البلاغة

بدأت قصة عشقي للإمام منذ كنت في المرحلة المتوسطة واشتدت أطوارها في المرحلة الجامعية فقد طال بحثي وتنقلت كثيرا بين بطون الكتب المختلفة حتى آخر كتاب قرأته للكاتب المسيحي جورج جرداق.

لقد نجح جورج في رسم صورة مبدعة للإمام كغيره من الكتّاب هي ذاتها الصورة الحيّة لأعظم رجل عربي وفي العهد، قابض على العهود والمواثيق أسوة بنبي الرحمة محمد ﷺ.

كانت محاولة الكاتب محاولة ذكية وموفقة نقلت علي من عالمه القديم إلى عالمنا المُتهالك، ثم إنني أرى الأمير يزهو بمدينة أفلاطون الساحرة كسحر بيان علي وعمق إنسانيته وقوة جذوره الإيمانية ونصرته لكل مظلوم وبطولاته الفذة.

حديثه جعلني أشعر بالشوق إلى بناء مدينة فاضلة صالحة يُزين شوارعها مبادئ علي، ونغفو فيها على صوت مذياع يردد خطبه البليغة ومهما يكن من شيء فخطبه ليست جميعها محرابًا للدين بل إنها باب للبلاغة والبيان؛ فخطبةٌ تخلو من حرف الألف وأخرى تخلو من النقطة حقًّا هذا هو الإعجاز الخطابي بلا شك.

في آخر زيارة لي إلى مسجد الكوفة جلتُ بذاكرتي أبحث عن علي لأنه بالنسبة لي ليس إماما فحسب وإنما هو رجل من عمالقة الفكر والأدب والدين والسياسة، وكم حاولتُ جاهدة أن أرسم تفاصيل قوة إيمانه فهي أعظم قوة يمتلكها علي .

ولكن تعجز الأقلام أن ترسم شاطئا امتد لقرون عديدة وفشلت جميع عوامل التعرية والنحت وجميع مظاهر التغيير الجغرافي أن تغيره أو تمحو أثره

أيها القارئ أنا لا أريد أن أقتل متعة قراءتك لكتاب جورج جرداق أو سليمان كتاني أو غيرهم من الكتّاب الذين سطروا حياة عليّ من الألف «أحبك إمامي» إلى الياء «يأسرني الشوق لرؤيتك على شاطئ الكوثر»،كلا والله هي ليستْ مشاعر كاتبة جعفرية المذهب وإنما نظرتُ بمنظار جورج المسيحي، ثم فكرت وقدّرت فيما كان يردد ميخائيل نعيمة على لسانه:

«بطولات الإمام ما اقتصرت يومًا على ميادين الحرب فقد كان بطلًا في صفاء بصيرته وطهارة وجدانه وتعبّده للحق».

لقد فجّر الإسلام جميع طاقات علي الكامنة، وانبثقت ينابيع حبه لمحمد فظل بجانبه يكسوه من نوره ربما كان نور الكعبة الذي شهدت لهما وهما يسجدان لله في أزمنة الشرك وارتفاع منسوبه الباطش ولم يسجد لله معهما سوى سيدة قريش الأولى السيدة خديجة .

مهما تقادمت العهود وخلق الله من البشر أصنافًا متعددة وألوانًا مختلفة من الناس فسوف تكون هناك العين الثاقبة التي ترى عليًا وتسجل من جديد أمجاده ومفاخره وليت قلمي ينذر نفسه بحثا في سيرة علي فيتصدّى لأدق تفاصيل حياته وحرارة إيمانه فحياته سلام الله عليه جديرة بأن تلهب روحي

هو أكثر بكثير مما عمل بيديه أو أذاعه بلسانه وكما وصفه ميخائيل «كل صورة نرسمها له ناقصة لامحالة وقصارى مانرجوه منها أن تنبض بالحياة»

أخيرًا وقفت في صف المغالين في حب علي ولست منهم؛ ولكنني عشقت عملاقًا عربيًا، وقائدا فصيحا وقاضيا عادلًا مثلما عشق غيري المتنبي وأبحر في عالم نزار قباني وحاشا أن يكون علي على كفي ميزان مع أحد.

هذا العربي باب مدينة عظمى فكّر وتأمل ثم ناجى ربه بينه وبين نفسه بحديث لم تسمعه أذن ولم تبصره عين.

إن امتلاك مزايا هي أبعد ما تكون عن مزايا البشر العاديين وأقرب شبها بمزايا المرسلين أمر يدعو لإعمال الفكر ويتناغم مع قداسة ذات فطرة سليمة بعيدًا عن التّكلّف.