آخر تحديث: 31 / 10 / 2024م - 8:43 ص

الضوابطُ التَنْظِيميةُ لكِيانِ الأُسْرةِ ‎‎

ناجي وهب الفرج *

كَثِيراً ما نَسْمَعُ عَنْ مشاكلٍ دَاخَلَ العَائِلَةِ أو الأُسْرةِ الْوَاحدَةِ، بَدَأَتْ بَذورها صَغِيرَةً وبَسيطَةً؛ ثُمَّ اِتَّسَعْتْ هَذِهِ المشاكلُ وكُبِّرْتْ وأَخَذَتْ أَبْعَادًا مِنْ التَّشَعُّبِ والتَّضَخُّمِ لا يُمكنُ الْإحَاطَةُ بِها ولا السَّيْطَرَةُ عليها.

قِوامُ الأُسْرةِ ومُدَعْمَاتِ دَيْمومَتهَا واستمراريتها؛ في أنْ يتمتعَ أفرادها بحالةٍ صحيةٍ مُنتجةٍ ومُثمرةٍ؛ تجعلُ مِنْهم أفرادًا صالحينَ، يمتلكونَ اتِّزانًا نفسيًا؛ يتولدُ عنهُ إِحْرَازُ تقدمٍ في شَتَّى المجالاتِ النَّاهِضَةِ والدَّاعِمَةِ، التي تبرزُ أفرادًا يُعَمُّ ويعودُ نفعهم لأَنَفَّسِهم ومُجْتَمَعِهم الْمُحِيطُ بِهم في آنٍ معًا، وتأكيدًا لما ذُكرَ، فقد سُئلَ رسولُ اللهِ صلىَّ اللهُ عليهِ وآلهِ مَنْ أحبَُ الناسِ إلى اللهِ قالَ : [ أنفعُ الناسِ للناسِ ].

دعونا نُحددُ ونُحققُ عِدةَ مَطالبٍ مُهمةً مِنْ خِلَالِ تُنَاوِلنَا الحديثَ عن هذا الكيان ”الأسرة“؛ الذي يحتلُ أهميةً بالغةً مِنْ حيثُ تحقيقهِ مقاصدَ الشارعِ المقدسِ. سنعرضُ بادِئ ذي بَدْءٍ؛ إلى مَاهِيَتهِ حسبَ النَّظْرَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وما يجبُ علينا مراعاتهِ مِنْ الأخذِ بالضوابطِ لتحقيقَ النُّمُوّ الصِّحِّيّ والسليمَ لهذا الكيان؛ مُسترشدينَ بما وردَ عَنْ أَهْلِ بيتِ الطهارةِ - سلام الله عليهم أجمعينَ - في هذا الصَّدَد، ثُمَّ نعرضُ لبعضِ الْأسْبَابًِ التي تجعلُ هذا الكيان مهددًا بالتَّفَكُّكِ والْاِنْهِيَارِ لا قدَّرَ اللهُ.

فمفهومُ الأسرةِ لغويًا هو ما يُطلق على الجماعةِ التي يربطها أَمْرٌ مُشْترَكٌ إذ توجد روابطُ تجمعُ أفرادَ الأسرةِ الواحدةِ، أما جمعها فهو أُسَر.

أما عند تُنَاوِلنَا لتعريفِ الاسرةِ في الاصطلاحِ؛ فهنالكَ عدةُ تعاريفٍ اصطلاحيةٍ منها سيكولوجية أو لغُوية أو وظيفية، وما يهمنا وما سوفَ نُركز عليهِ مِنْ بينِ كلِ هذهِ التعاريفِ الاصطلاحيةِ، هو التعريفُ الوظيفي للأسرةِ لكونهِ يضعنا على الخطواتِ الإجرائيةِ التي تخضعُ لمعاييرٍ يمكنُ تلمسها وقياسها والحكمَ عليها. ويمكنُ تحديد مفهوم الأسرةِ مِنْ الجانبِ الاصطلاحي الوظيفي بأنهُ الكيانُ الذي يضمُ الأبَ والأمَ والأبناءَ، إذ يُركّز تعريفُ الأسرةِ وظيفيّاً على الوظائفِ التي تقومُ بها، مع وجودِ مُعيلٍ للأطفالِ، كما أنّ هذا التعريف يشملُ عدداً مِنْ المعاييرِ التي ينبغي توافرها في الأسرةِ لينطبقَ عليها هذا المفهوم، وبالتالي فإنّ أي أسرةٍ لاتجمعُ هذه المعايير كاملةً لا يُمكن اعتبارها أسرةً بناءً على معناها من منظور وظيفي، وهذه المعايير هي:

1 - المشاركةُ في المواردِ الماديّةِ جميعها.

2 - الرعايةُ الأُسريّةِ والعاطفيّةِ.

3 - الالتزامُ العائلي وتحديدُ هويّةَ الأفرادِ الملتزمينَ للأسرةِ بشكلٍ قانوني.

4 - رعايةُ الأطفالِ والاهتمامِ بهم إلى أنْ يكبروا ويصبحوا قادرينَ على التفاعلِ في المجتمعِ.

ومِنْ أهمِ ما يميّزُ الأسرةُ المتماسكةُ في أَنْها؛ توفرُ مساحةً كبيرةً من التقديرِ والالتزامِ بين مكوناتها، وتعزيز قوّةِ الترابط فيما بينهم، ويقضونَ الكثيرَ مِنْ الأوقاتِ معاً، ويمتلكونَ مهاراتِ التواصلِ فيما بينهم؛ بإطلاقهم حريةِ التعبيرِ وتبادلِ الأفكارِ بينهم، وغالبًا ما يحرصونَ على نمطِ حياةٍ صحيٍ مِنْ خِلَالِ ممارسةِ الرياضةِ وتناولِ غذاءٍ صحيٍ، وتطويرِ مهاراتهم لمواجهةِ ضغوطاتِ الحياةِ المختلفةِ، مُلزمينَ أنفسهم بأخذِ قسطٍ كبيرٍ مِنْ الروحانيّة التي تتمثلُ في أدائهم للعباداتِ، والتأمُّلِ في قدرةِ اللهِ جلَّ وعلا، والمداومةِ على قراءةِ الكتبِ القيّمةِ، وأنْ تكونِ توقعاتهم تتسمُ بالإيجابيةِ عند وقوع المشاكل، لما سيّولد عندهم إمكانية حلّ أي مشكلةٍ سوفَ تُواجههم، وأن يَكُونَ لديهم تقبُّل للأشخاص الآخرين من خلال إيمانهم بقدراتهم، فكلُ شخصٍ مِنْهم يتميّزُ في مجالٍ ما بالرغمِ مِنْ الأخطاء التي قد يقع فيها، وأنْ يكونوا حريصينَ على التفاعلِ مع المجتمعِ مِنْ خلالِ تواصلهم مع الأقاربِ، والأصدقاءِ، والجيرانِ ومُساعدتهم عندَ الحاجةِ، وأنْ يسودَ التسامحُ الذي يكونُ بتجاوزِ أخطاءِ الآخرينَ وغُفرانها ونسيانها، كما أنّهم قادرونَ على التعلمِ مِنْ تِلْكَ الأخطاءِ. وأَنْ يعطوا لأنفسهم فرصةً ليقضونَ أوقاتًا سعيدةً ومُمتعةً معاً، فهم يتمتعونَ دائماً بحالةٍ إيجابيةٍ وتفاؤليةٍ.

وما وردَ عن النبي وأهلِ بيتهِ - سلامٌ اللهِ عليهم - في هذا الشأن الكثيرُ مِنْ المروياتِ الشريفةِ التي تتناول دعائمَ قوامِ الاسرةِ التي يرتكزُ على جانبينِ هامينِ هما؛ التربوي والاخلاقي؛ فأما الجانبِ التربوي سيكونَ في الحبِ المتبادلِ أو ما يُسمى ب «الوظيفة العاطفية»، المعاشرة بالمعروفِ، الشعورُ بالمسؤوليةِ، الانصافُ والعدلُ، تقسيمُ العَمَلِ وتبادلُ الادوارِ، عدمُ إلحاقِ الضررِ، والاهتمامُ بالهيئةِ. أما فيما يتعلقُ بالجانبِ الاخلاقي سيكونَ في الصبرِ الجميلِ، العفةِ، عدمِ الخيانةِ، وتجنبِ القذفِ.

ويؤكدُ الرسولُ الأعظمُ ﷺ على هذه الناحية بقوله: «وَقِّروا كِباركم، وارحَموا صِغاركم».

ومما وردَ عن الإمامِ علي «عليهِ السلام» قولهُ: «وَارحَم مِنْ أهلِكَ الصغيرَ، وَوقِّر الكبيرَ».

ومما وردَ عن الإمامِ السجادِ «عليهِ السلام» الذي يرسمُ للأبِ واجباتهِ، وحقوقَ الآخرينَ، حينما يقولُ: «وَأمَّا حَقّ ولدكَ، فتعلَّم أنهُ منكَ، ومضافٌ إليكَ في عاجلِ الدنيا بخيرهِ وشرهِ، وإنكَ مسؤولٌ عما ولَّيتهُ، مِنْ حُسنِا لأدبِ، والدلالةِ على ربهِ، والمعونةِ لهُ على طاعتهِ فيكَ، وفي نفسهِ، فمثاب على ذلكَ ومعاقبُ.

فاعمل في أمرهِ عَمِلَ المتزيِّنِ بحسنِ أثرهِ عليهِ في عاجلِ الدنيا، المعذّرُ إلى ربهِ فيما بينكَ وبينهِ بحسنِ القيامِ عليهِ، والأخذِ لهُ منهُ، ولا قوَّةَ إلا باللهِِ».

ووردَ عن الامامِ الصادقِ عليهِ السلامُ قولهُ: «ثلاثةٌ تورثُ المحبَّة: الدِّينُ، والتواضع، والبذل».

ونأتي هُنا لذكرِ بعضِ الأسبابِ الحقيقيةِ التي تُؤدي إلى انتشارِ ظاهرةِ التفككِ الأسري في مجتمعاتنا وفي غيرها، والتي مِنْ أهمها:

الأبُ الحاضرُ الغائبُ والعكسُ صحيح بالنسبةِ للأمِ؛ لانشغالهما بعملٍ أو نحوهِ، وما يفضي له من صراع الأدوار بين الأم والأب، وما أحدثتهُ ثورةُ الاتصالاتِ الحديثةِ مِنْ تباعدٍ وانشغالِ أفرادِ الأُسْرةِ عن بعضهم البعض، وما يشكلهُ وجودُ الخدمِ في كثيرٍ مِنْ الاحيانِ مِنْ اتكاليةِ الأبِ والأمِ في تصريفِ شؤونِ الأبناءِ واحتياجاتهم.

كذلكَ يلعبُ الوضعُ الاقتصادي للأسرةِ دورًا كبيراً سواءً كانَ حالةُ فقرٍ أو غنى في العجزِ عَنْ الايفاءِ ببعضِ المتطلباتِ الماديةِ والمعنويةِ.

وهُنا سنعرضُ لبعضِ الآثارِ السلبيةِ للتفككِ الأسري على الأبناءِ:

يتسببُ بالتَّفَكُّكُ الأسري بضعفِ شعورِ الأبناءِ بالأمانِ والاستقرارٍ داخلَ الأسرةِ.

قد يلجأ أحدُ الأبناءِ إلى تحقيقِ الأهدافِ المرجوةِ بطرقٍ غيرَ مشروعةٍ بسببِ التفككِ الأسري، حيثُ تتغيرُ المبادىءُ والمفاهيمُ لديهِ، ليصبحَ المحرمُ مشروعاً.

كما يتسببُ التَّفَكُّكُ الأسري في عيشِ الأبناءِ في حالةٍ مستمرةٍ مِنْ الاضطرابِ والقلقِ، حيثُ إنَّ غيابَ الأبِ أو الأمِ بشكلٍ مستمرٍ يفقدُ الأبناءُ الأمانَ، ويسببُ انعدامُ الأمانِ.

هُنَاكَ علاقةٌ وثيقةٌ بَيْنَ تشردِ الأطفالِ والتَّفَكُّكُِ الأسري، حيثُ أشارتْ إحدى الدراساتِ إلى أنَّ أغلبَ الأطفالِ الذينَ كانَ مصيرهم الشارعُ، كانوا في الأساسِ يعانونَ مِنْ التَّفَكُّكِ الأُسري.

قد يتسببُ التَّفَكُّكُ الأسري في حالةٍ مِنْ العدائيةِ عندَ الأبناءِ.

 

المصادرُ:

[1]  بحوث
حث - عن - التفكك - الأسري

[2]  خصائص الأسرة المسلمة
https://arabic.al-shia.org/خصائص-الأسرة-المسلمة-2/

[3]  موقع موضوع - تعريف الأسرة
https://mawdoo3.com

[4]  جامع الاحاديث ج 16 الصفحة 175
[5]  رسالة الحقوق
نائب رئيس مجلس إدارة جمعية العوامية الخيرية للخدمات الاجتماعية