آخر تحديث: 22 / 11 / 2024م - 1:35 ص

عندما يشّكل الاستثمار البلدي تحدياً لجودة الحياة

أمين محمد الصفار *

من أهم ما تستخدمه إدارات المدن وما في حكمها عادة لحماية المواقع والمناطق المهمة «المزايا الطبيعية للمدن» مثل الأودية والشواطئ والمرتفعات والمناطق التاريخية والتراثية إلى أدوات تقليدية من أهمها استخدام المساحات والمسطحات الخضراء لحماية هذه المواقع التي تبرز مفاتن المدينة، فتعتبر هذه الأدوات إضافة لجمالها وما تبثها من حياة للمكان، هي أيضا حاجز مانع عن عدم ممارسة أي نوع من التعدي بالقرب من هذه المواقع، حتى في المدن الكبيرة جداً يتم اللجوء لإنشاء قرى صغيرة تفصل بين المدينة الكبيرة وبين هذه المواقع التي ينظر إليها بحساسية عالية لضمان عدم العبث بمحيطها.

في القطيف يبدو أن توجهات «الاستثمار البلدي» مازالت تمارس وتتوسع في تقليص المسطحات الخضراء بطريقة تبدو تلقائية، فقبل سنوات قامت البلدية بتقليص مساحة المسطح الأخضر في شارع القدس - الذي يضم جزء من تحفة معمارية تراثية قامت شركة أجنبية بمبادرة لنقلها للموقع الحالي - لأجل بناء مبنى استثماري ومواقف سيارات لصالح أحد البنوك، وقبله قامت البلدية بدفن حمام تاروت التاريخي دون أي سبب واضح، وكذلك السماح بالبناء السكني بجانب المدافن الدلمونية التاريخية المهملة في بلدتي الربيعية والزور في جزيرة تاروت بشكل جعل عملية وصول الزوار لها عملية ليست بالسهلة.

مؤخراً كشّر الاستثمار البلدي عن توجهه باتجاه الكورنيش عبر مسارين، الأول: بناء مباني بمساحات أكبر من السابق على نفس تلك المسطحات القليلة الموجودة بالقرب من الكورنيش الضيق أصلاً وبارتفاعات أعلى وحاجبة لرؤية البحر، وأيضا عبر منح امتيازات لبعض المستثمرين باقتطاع أجزاء واسعة ومميزة من الكورنيش وقصرها على أنشطة المستثمر وما يقرره، المسار الثاني: التوسع في الاستثمار البلدي في مجال عربات الأطعمة «الفود ترك»، حيث يتم تجميعها في ساحات الكورنيش أو وضعها على امتداد مواقف الكورنيش بشكل جعلها تصبح العنوان الأبرز في الكورنيش وأول ما يراه الزائر للكورنيش بكل أشكالها وما تسببه من تلوث سمعي وبصري نتيجة الضوضاء وما تخلفه من سوائل المحروقات التي نراها على الأرض.

هذه الجهود وأن كانت تحت ذريعة الاستثمار البلدي بالنمط الحالي هي وبكل أسف في الاتجاه غير الصحيح بل وتصنع مزيداً من الصور السلبية التي تفتك بأهم مواقع المدينة ويصعب معالجتها لاحقاً، أن التوسع في الاستثمار البلدي في القطيف بشكله الحالي أصبح يشكل عبء على المدينة وتحدياً لبرامج الوزارة التي تسعى لتطبيق مفاهيم جودة الحياة وأنسنة المدن وتحسين المشهد الحضري وإزالة التشوه البصري، وبدى الاستثمار البلدي وكأنه جزيرة منفصلة عن احتياجات المدينة.

هناك عدد كبير من المباني والمواقع البلدية داخل الاحياء وأوساط مدن القطيف كما في أطرافها هي بحاجة ماسة إلى تشغيل وتطوير وتنمية، وكذلك معالجة الثغرة العريضة الحاصلة في أسواق النفع العام، والاستثمار البلدي هو أحد أهم لأدوات التي يمكن أن تفعل فعلها نحو تطوير هذه المواقع واستغلالها بالشكل الأمثل بديلاً عن صور الإهمال الحالية التي حولت هذه المواقع إلى مكب للخردة وسط الأحياء السكنية والى استخدامات أخرى لا تتناسب مع الأحياء السكنية خصوصاً.

أن الاستثمار البلدي هو الداعم الرئيس للتنمية الاقتصادية المحلية والعلاقة بين الاستثمار البلدي ومفاهيم جودة الحياة هي علاقة طردية وليست عكسية، ويجب أن يكون هذا هو المعيار، فالمدن تحتاج إلى استثمار بلدي تصنعه ورش وآليات عمل مشترك كي تلبي احتياجات المدينة ويرفد التنمية المحلية ويحافظ على مفاتن المدينة والمزايا النسبية لها ويعزز هويتها الحقيقية التي تدفع بها لمراتب متقدمة في مضمار السباق الذي تشهده مدن ومناطق المملكة.