آخر تحديث: 31 / 10 / 2024م - 8:43 ص

أجرة العمالة الوافدة والتضخم

ياسين آل خليل

لا أحَد هذه الايام في غنى عن خدمات العمالة الوافدة. للأسف الكثير منا أساء التعامل مع هذا الرافد الذي تحول بين ليلة وضحاها إلى عبئٍ كبير أثقل كاهل المواطن وحمّله ما لا يطيق. وبعلم أو دون علم تمكن هذا الوافد من فرض نفسه بكل المقاييس حتى كاد أن يتفوق في دخله على المواطن، بل هو كذلك، بما يتميز به من قدرات ومهارات على الكسب السريع وفرض الأجرة التي هو يحددها دون أن يتمكن هذا المواطن من قول كلمة ”لا“ يرفض من خلالها ما يمليه عليه هذا الوافد من أرقام فلكية لأجرة عمل قد لا يتعدى أمدها دقائق معدودات.

كان الوافد يتلقى أجرة يومية لا تتعدى المئة ريال بحد أقصى لأي عمل كان. سواء كان ذلك العمل في مجال السباكة أو البناء أو الأعمال الكهربائية وغيرها. اليوم ليس هناك من أجرة يومية الا من بعض مكاتب السعوديين الذين يؤجرون العمالة، والذين هم الآخرون صاروا يطرحون أجورًا تتعدى آفاقها قدرة المواطن.

الوافد اليوم يُسعّر الأعمال كيفما يحلو له ويتبع ما يطلق عليه باللغة الدراجة ”قطوْعة“. فشريحة العمل التي تستغرق ساعة للإنجاز يقيمها هذا الوافد بمائة ريال والتي تستغرق ربع ساعة في أكثر تقدير تصل إلى خمسين ريالًا وهكذا دواليك. أما المواطن البسيط فقد سلّم الخيط والمخيط لهؤلاء الوافدين يتحكمون به كيف شاؤوا ودون أن يمتلك حق الرد أو حتى الشجاعة ليواجه هذا الوافد بعدم رضاه ولو بكلمة ”لا“..! هذه الكلمة لها أثرها البالغ في نفس الوافد وقد تغير شيئا من جشع هذا الرجل الذي أتى إلى هذه البلاد وفي ذهنه أن يكون مليونيرًا في أقل فترة ممكنة.

إذا رأى الوافد أن البيئة مطيعة ومُسَلّمة أمرها له، فإنه دون محالة سيتمادى في رفع الأسعار وإيصالها إلى الحد الذي تتحول فيها أنت أيها المواطن البسيط إلى شخص غير قادر على مواجهة متطلباتك الشخصية والأسرية من مأكل ومشرب وخدمات والتي هي الأخرى في ارتفاع متواصل جراء جشع التجار الذين باتوا لا يمتلكون سقفًا ولا حدّا يوقفون فيه هذا التشوه الخطير من التضخم اللامعقول.

أنت أيها المواطن البسيط والطالب للخدمة تستلم راتبا محدودا في نهاية كل شهر وكذلك أبناؤك وبناتك فكيف لك أن تتقبل ما يمليه عليك الوافد..! ولماذا يتعامل معك ”بالقطوعة“. القرار في يدك أنت وأنا والآخرين لإيقاف هذه المهزلة التي لا ترتكز إلى القانون أو تحاكي المنطق في جميع الاحوال. إذا توقف الجميع ورفضوا هذه التسعيرات المجحفة والغير عادلة من قبل الوافد. فليس للوافد من سبيل إلا الرضوخ للواقع والتسليم بالرجوع إلى منطق التسعيرة اليومية العادلة للجميع.

هذا الوافد الذي تعتقد في داخلك أنه مسكين، هو في واقع الحال أقوى مني ومنك ماديًا. وسأعطيك مثالًا بسيطًا لأقرب لكً الفكرة. إذا كان الوافد يطلب مائة ريال لكل ساعة عمل ينجزها، فالثمان ساعات التي يعملها في اليوم تدخل عليه 800 ريال وعليك أن تحسب كم من الريالات يدخل عليه في الشهر. فهل أنت أو أحد أبنائك تصلون إلى هذا المستوى من الدخل الشهري..؟. ناهيك أن هذا الوافد يصرف جزءا بسيطا من دخله بالريال. وما تبقى من دخله يحوله إلى بلده الأم والتي يصل فيها الريال إلى 15 ضعفا من عملة بلده أو أكثر. يعني بالحساب البسيط إذا حول الوافد 3000 الاف ريال فإنه في الواقع قد جنى 45,000 الف من عملته. فما بالك عندما يحول هذا الوافد عشرة آلاف أو أكثر شهريًا. أما أنت فتستلم مرتبك بالريال وتصرف بالريال، ولهذا لو قارنت انجازاته في بلده بإنجازاتك، لاكتشفت أن الفقير والمحتاج هو أنت لا الوافد. نصيحتي أن تحذروا الوافدين وتعطونهم حقوقهم غير منقوصة، شرط أن تكون في حدود المعقول وأن لا تبالغوا في الدفع إليهم، فأنتم لستم بأفضل حال منهم..!