آخر تحديث: 31 / 10 / 2024م - 8:43 ص

توتو قارئا فكاتبا فمكافحا

يوسف أحمد الحسن *

عندما أصيب الأسقف ديزموند توتو بمرض السل في العام 1947م وتم نقله إلى أحد مستشفيات جنوب أفريقيا حيث قضى فيها نحو ثمانية عشر شهرا، لم يضيعها في توافه الأمور كما قد يفعل البعض، بل قضاها في قراءة الكتب «كما قال عنه كاتب السير شيرلي دو بولاي»، بينما كان يحب القراءة في أيام شبابه أيضا وبالذات الكتب المصورة والقصص الخيالية الأوروبية.

وقد شكل هذا السلوك المبكر لدى هذا المكافح ضد العنصرية في جنوب أفريقيا أفضل أرضية لمستقبل حياته الخاصة والعامة وخلفية ثقافية كافية لكي يصبح واحدا من أكثر الشخصيات العالمية نضجا في الجوانب الثقافية والسياسية. ففضلا عن توجهه الديني حيث أصبح كاهنا ورئيسا لأساقفة كيب تاون، فقد ناضل لسنوات طويلة مع نلسون مانديلا من أجل تحرر بلادهما من ربقة الفصل العنصري التي خيمت عليها لعدة عقود، ولم يحمه من الاعتقال إلا كونه رجل دين.

حصل على جائزة نوبل للسلام في العام 1986 وجوائز أخرى وعندما وصل الرئيس الأسود نلسون مانديلا إلى رئاسة جنوب أفريقيا «1995» تم تعيينه رئيسا للجنة الحقيقة والمصالحة والمختصة بالتصالح بين البيض والسود في جنوب أفريقيا.

وقد كان توتو وخلال سنوات عمره التسعين مغرما بالقراءة وبعالم الكتب في مجالي السياسة والدين، وحتى عندما أعلن تقاعده من الحياة العامة في أكتوبر 2010 فإنه أعلن أنه إنما قام بذلك من أجل قضاء وقت أطول في منزله مع عائلته وفي القراءة والكتابة والصلاة والتفكير. وعندما كان يدرس في كلية بريتوريا بانتو نورمال في العام 1951 ساعد في تنظيم جمعية القراءة والمسرح وترأس جمعية الثقافة والمناظرات لمدة عامين.

ورغم أنه كان باستطاعته أن يبقى مجرد عالم دين مسيحي، إلا أنه آثر أن يكون له دور حقيقي في مقارعة العنصرية سواء في بلاده أو في بلدان أخرى. وقد قام توتو بإلقاء عدد كبير من الخطابات التي تصب في نفس الهدف حول بعضها إلى كتب. ومن كتبه أيضا «لا مستقبل بلا غفران» و«الأطفال حلم الله» و«كتاب الفرح: السعادة الدائمة في عالم متغير» وهو كتاب اشترك معه فيه الدالاي لاما و«الغفران: المسار الرباعي لشفاء أنفسنا وشفاء عالمنا» «100 مكان يستحق الزيارة قبل أن يختفي» بالاشتراك مع كاتب هندي. وعندما توفي توتو في السادس والعشرين من ديسمبر 2021، فإنه ترك خلفه مكانا شاغرا في عالم يضج بالمشكلات والمصالح المتضاربة.