كلما أوقدتُ نارًا في بردِ الشِّتاءِ ذكرتكَ يا موسى!
موسى رجلٌ عنيد في الله وله حكايات جميلة معه، فهو - الله - الذي صنعَ موسى صناعةً خاصَّة، كل شيءٍ في حياته كان عجيبًا. ولادتِه ورضاعته، شبابه وفتوتِه، ورجولته وصلابته، كلها عجيبة.
”اعمل خيرًا شرًّا تلقى“، هكذا بدأت حكايةُ موسى مع الغربة! في يومٍ كالح أرادَ شيطانٌ أن يقتلَ واحدًا من أتباعه، فما كان من موسى إلَّا أن وكزه بعصاه، موسى شابٌّ قوي فماتَ ذلك الشَّيطانُ من ضربته. وفي اليَّومِ الذي تلاه كأن ذلك الصَّاحب أيضًا يتعارك مع آخر، فنادى على موسى وعندما أرادَ موسى أن يعينه خافَ وظنَّ أن موسى يريد أن يقتله. فَضَحَ ذلك الصَّاحب الذي لا أحد يتمناه السرَّ ”موسى هو القاتل الذي تبحثون عنه، وأنا الشَّاهد“.
جاءت إلى موسى نصيحة من رجلٍ طيِّب: اخرج سريعًا يا موسى.. أنا أنصحك، إنهم سوف يقتلوك! خرجَ موسى إلى أرضِ الغربة وبدأ فصلٌ جديدٌ في حياته، التقى بامرأةٍ طيبة مستورة عند بئرِ ماء، ووالدها طلبَ مهرًا، ثمان إلى عشرِ سنين عمل.
راحت الأيَّامُ وجاءت وانتهت مدة العقد، ولم يقنع موسى في قضاءِ جميع عمره يرعى الغنم، وإن كان وجوده مع والد زوجته غنيمة كبرى. قال موسى: أعودُ إلى وطني، فخرج مع امرأته الحامل ولئلَّا يقع أسيرًا بيد الظَلَمَة اختارَ طريقًا غير مطروق. وهو في الطَّريق في ليلةٍ شاتية رأى نارًا، فقال لزوجته: انتظري، آتيكِ من عندِ النَّار بخبر أو جذوة تتدفئين بها.
أتى موسى النَّارَ، فوجدها نارًا لا كمثل النِّيران الأخرى، لا حرارةَ ولا حرقَ فيها، بل هي قطعة من النور والصَّفاء. تعجب موسى من تلك النَّار، فجاءه النداءُ من شاطئ الوادي الأيمن في البقعةِ المباركة من الشَّجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين، وكان حديثًا جميلًا بينه وبين الله!
واصل موسى بن عمران عليه السَّلام رحلته وقامَ بما بقيَ من أدوارِ حياته. وفي قصص هذا النبيّ العظيم مقاطع حكاها القرآنُ الكريم تقطع الأنفاسَ من جمالها وعظمتها، وعلى الخصوص ما وردَ في سورةَ القصص، لمن أراد أن يعرف من هو موسى الكليم عليه السَّلام.
دروس حياة موسى عليه السَّلام فيها نماذج تصلح للشَّباب والشابَّات والرِّجال والنِّساء، لا يمكن اختصارها في صفحةٍ واحدة. لكن ما رأيكم بمشهدٍ واحد؟ كيف اختارته زوجته وأخبرت أباها عنه، ثم جاءت في حياءٍ شديدٍ إلى موسى تدعوه للذهاب معها. مشى موسى أمامها محافظًا على عفَّتها وكرامتها! وكيف هي صبرت على ذلك المسير الصَّعب مع موسى عليه السَّلام؟!