آخر تحديث: 31 / 10 / 2024م - 8:43 ص

التخبيب.. وسحر التفريق

الدكتور جاسم المطوع *

قالت: عندي زميل بالعمل بدأت العلاقة معه بالترحيب والسلام ثم تطورت إلى الأحاديث الجانبية ثم بدأت أشتكي عن أولادي وزوجي وصار يقدم لي النصائح والإرشادات فارتحت لحديثه وصرت أفرح عندما أشتكي له عن مشاكلي الأسرية وهو يقدم لي الحلول إلى أن شعرت بالتعلق تجاهه فصارحني بأنه يحبني ويريدني زوجة له ثانية لأنه هو غير سعيد من زوجته وأولاده

قلت: كم عمر زواجك؟ قالت: 12 سنة وعندي ثلاثة أطفال وأنا أتحمل مسؤولية البيت وزوجي مقصر في حقي، قلت: ولكن زميلك هذا ليس ناصحا وإنما «مخبب»، قالت: ما معنى «مخبب»؟ قلت: المخبب يظهر النصح والإرشاد والتعاطف ولكن بنية إفساد الزواج أو يكون لديه رغبة بالزواج، قالت: ولكنه كان ينصحنى، قلت: الفرق بين «المخبب» و«الناصح» أن «المخبب» يطرح الطلاق حلا ليستفيد هو منه الطلاق، أما الناصح فيقدم حلول عملية للمشكلة

قالت: وهل يشترط أن يكون «المخبب» رجلا؟ قلت: لا، قد يكون المخبب الأم مثل أن تقول أمك لك لماذا لم يحضر لك زوجك الذهب هدية لك فاطلبي الطلاق، أو قد تكون صديقتك عندما تبين لك عيوب زوجك حتى تكرهك به ثم تنصحك بالطلاق، وقد يكون «المخبب» المستشار أو المحامي، قالت: كيف؟ قلت: بأن يزين الطلاق للموكل بدون الحاجة لذلك، ومن الأمثلة الطلب من الموكلة باستفزاز الزوج بسلوك يحرضه على الضرب لترفع قضية خلع، وقد تكون الوسيلة بالتخبيب من خلال شبكات التواصل الاجتماعي فقد أنتشرت في هذه الأيام الفضفضة بشبكات التواصل بأسماء وهمية ثم تتطور العلاقة بالتواصل المباشر وكشف الهوية ثم كشف الأسرار الزوجية وبدأ «التخبيب»،

قالت: ما كنت أعرف أني وقعت «بالتخبيب»، قلت: إن التخبيب إثمه عظيم فقد حذرنا منه رسولنا الكريم ﷺ قائلا: «ليس منا من خبب امرأة على زوجها»، وحديث آخر «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ خَبٌّ»، قالت: يعنى ما قام به زميلي بالعمل فيه إثم كبير وأنا سايرته بهذا العمل، قلت لها: نعم فالتخبيب هو «سحر التفريق» وقد أقرن الله تعالى التخبيب بالقرآن بأفعال السحرة الذين يسعون للإفساد والتفريق بين الزوجين، قالت: وفي أي أية بالقرآن؟ قلت: بسورة البقرة عندما تحدث ربنا عن قصة هاروت وماروت قائلا ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ .

قالت: وما قصة هاروت وماروت؟ قلت: هما ملكين أنزلهما الله في عهد سليمان ليعلمان الناس الفرق بين الحق والباطل وبين السحر والمعجزة وذلك عندما رفض اليهود كتاب الله وأتبعوا السحر، قالت: هذا موضوع خطير، قلت: نعم، لأنه يهدد الأسرة ويفككها بدافع سوء النية من المخبب، وواضح أن زميلك استغلك في هذا الجانب، وللعلم فقد شرعت بعض الدول قوانين في التخبيب ولكن بمسميات مختلفة، ففي السعودية يسمى «تخبيب» وفي الأردن يسمى «تحريض» وفي الكويت صنف «بالحرمات المؤقتة»، قالت: سأنتبه لحيل التخبيب وأصلح بيتي، قلت: وابتعدي عن كل مخبب ومخببة