آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 3:01 م

درس لن أنساه «قصة»

حسن علي عرقان

كلنا أو أغلبنا نبحث عن التبريرات التي تبرأ أخطاءنا أو سوء تصرفنا في بعض المواقف…

وربما نتحول إلى مهاجمين على من ينتقد تصرفنا هذا… لماذا؟؟؟

لأننا لا نرغب أن نرى أنفسنا في موضع الاتهامات والانتقادات…

وحتى لو خسرنا بعض العلاقات الاجتماعية من أشخاص مقربين منا…

وهذا ما حصل مع «سوسن»...

سوسن بنت ذات الأربعة عشر عامًا تعيش في بيت مع والديها وأخ لها وهو «جوهر» وهو يكبرها بثلاثة أعوام...

منذ طفولة «جوهر» وقبل ولادة «سوسن» كان المدلل المحبوب في العائلة… كل ما يتمناه يجده...

وجاءت «سوسن»... بعد انتظار...

حمد لله على السلامة أم جوهر مبروك «أبو جوهر» وهو يمسك بيدها في غرفة المستشفى بعد خروجها من غرفة الولادة…. إنها جميلة وبصحة ممتازة... تفتح عينها وبصعوبة تبتسم له وهي لا زالت تحت التخدير تتألم من أثر العملية القيصرية… قبلها على جبينها وقال لها استرخي قليلًا سأعود لكِ بعد العصر..

سأذهب إلى جوهر فهو سعيد جداً بقدوم أخته ومتلهف لرؤيتها…

سألتقط لها صورة… وأرسلها لك..

وبعد يومين استقبل جوهر أخته الصغرى...

فالبيت مهيأ لاستقبال المولودة الجديدة….

يقترب جوهر من أخته الصغرى يطلب من أمه أن تضعها في حضنه...

ترفع الام يد جوهر وتقول له: لا يا جوهر انتبه فهي صغيرة...

تأخذها وتضعها على سريرها...

ينكس جوهر رأسه للأرض وتتغير ملامحه... ويشعر بالحزن... فهذه أول مره يتعرض لها للرفض...يراقب الأب ما جرى فيقول: يا أم جوهر دعيه يقترب من أخته…

الأم: لا... لا... فهو صغير ولا يحسن التعامل معها…

ذهب جوهر لغرفته ليلعب بألعابه...

مرت الايام والشهور...

الأم حريصة كل الحرص على ابنتها التي أخذت كل الحب والحنان في قلبها... بحيث لم يتبق لجوهر إلى القليل...

وبلغت «سوسن» عامها الثاني… كبر جوهر... أصبح في الصف الأول بالمدرسة… فرحة جوهر كبيرة...

في كل الظروف يحاول اللعب مع أخته... وبطبيعة أنه ولد فكان لعبه به شدة قليلاً... فمجرد بكاء «سوسن» تنهال عليه الأم بالتوبيخ…

والتحذير...

أنت لا تفهم... أنت كبير... يجب أن تتعلم كيف تلعب مع الصغار….

إياك أن تقترب منها... هل تفهم!!؟!؟

هكذا هو حال «جوهر» دائماً تشعره أمه بأنه كبير وليس طفلاً يحب اللعب والمرح...

حتى أصبح يخاف الاقتراب من أخته…

وتسارعت الايام والشهور...

وزرعت الأم بتصرفاتها في «جوهر» الرعب والخوف من اللعب مع أخته…

وزرعت في «سوسن» الدلع والاتكالية في كل شيء...إلى درجة الكذب لتبرر تصرفاتها الخاطئة في البيت...

يحاول جوهر توضيح الأمور إلى أمه لبعض التصرفات الخاطئة التي تصدر من أخته سوسن... ولكن للأسف الأم لا تصدق وتبرر لها بأن «سوسن» صغيرة لا تفهم وسوف تتعلم...

في يوم من الايام... وفي الصباح الباكر خرجت «سوسن» من البيت متجهة إلى باص المدرسة...

وبعد خمس دقائق تقريبًا خرج «جوهر» للمدرسة بعد أن مر عليه صديقه «محمد» فهو جارٌ لهم...

وكان طريق المدرسة يمر على مدرسة البنات والتي تدرس فيها أخته…

وعندما اقتربا... فجأة…. يقف «جوهر»... وهو ينظر إلى مجموعة من البنات ينزلن من باص المدرسة ويركبن إلى سيارة صغيرة…

ينظر له «محمد»... «جوهر» ماذا بك؟ هل هناك شيء؟؟

لا يتحرك «جوهر»... وكأنه تجمد مكانه…

«محمد» يضع يده على كتفه وينادي يا «جوهر»... ما بك؟؟؟

تغيير وجه «جوهر» وبانت عليه علامات الغضب... تسارعت أنفاسه...

ينظر إلى «محمد» ويقول بصوت خافت... يا محمد انظر إلى البنات اللاتي يصعدن إلى السيارة...

«محمد» وما شئننا نحن بهن!!!!

لا نريد المشاكل… دعنا نذهب… هيا يا «جوهر»... فأنت تعرف من هو صاحب السيارة إنه شخص سيء وصاحب مشاكل... وله سوابق...

جوهر: لا... لا... أنت لا تفهم أين المشكلة... إنها... يتلعثم «جوهر» في كلامه…. إنها... إنها أختي وهي معهن...

انصدم «محمد» من كلامه...

ماذا تقول يا «جوهر»...

وماذا نفعل الآن؟؟؟

ماذا نفعل؟؟؟ «جوهر» يستنكر السؤال...

سوف ترى ماذا أفعل!!!!

رمى «جوهر» حقيبته المدرسية واتجه مسرعًا نحو السيارة...

وبحركة لا إرادية... يرمي «محمد» حقيبته ويجري خلف «جوهر»...

وصلا للسيارة قبل أن تتحرك...

أمسك «جوهر» بقبضة باب السائق ويفتحه بقوة...

يمسك بالسائق ويرمي به الأرض….

وهو يصرخ ويقول: يا حقير... يا…لماذا؟؟؟ لماذا؟؟؟

وينظر لأخته... بعين تملؤها الغضب...

وبأعلى صوته وبدون أي شعور...

يقول: اخرجن من السيارة بسرعة...

وبسرعة خرجن منها… واتجهن نحو المدرسة... أمسكتهن مديرة المدرسة… ادخلتهم المدرسة….

تجمهر الناس من حول السيارة…

تمكنوا من نزع صاحب السيارة من قبضة «جوهر» و«محمد»... حيث انهالوا عليه بالضرب والشتم…

استطاع الشاب الهرب تاركًا سيارته…

تم ابلاغ الشرطة بالحادثة….

وبسرعة وصلت الدورية وباشرت الحادثة…

وسحبت السيارة وتم عمل بلاغ للقبض على صاحبها…

يعود «جوهر» للبيت….

تستقبله أمه ماذا بك يا «جوهر» ولماذا أنت بهذه الحالة؟؟؟ تشاجرت مع أحد؟؟؟

تكلم... هيا...

«جوهر» يا أمي... ابنتك... ابنتك...ارتكبت مصيبة...

الأم تضع يدها على صدرها… ابنتي…. ما بها؟؟؟ أين هي الآن؟؟؟؟

«جوهر» بالمدرسة…. والأفضل أن تسرعي وتذهبي الآن...

يا «جوهر» أخبرني هل أختك بخير؟؟؟

«جوهر» نعم بخير... ولكن ارجوكِ اذهبي للمدرسة الآن… يرن الهاتف...

تنظر الأم لابنها… وينظر لها... يعم الهدوء للحظات…

يتناول «جوهر» الهاتف…

ألو... نعم هذا هو البيت...

موجودة لحظة من فضلك…

ينادي جوهر أمه…. تنظر إليه بنظرات ملؤها القلق...

تقترب وتتناول الهاتف...

ألو... نعم أنا أم «سوسن»... تجلس على الكنبة… تضع يدها على رأسها…

هل ابنتي بخير؟؟؟ اريد أن أكلمها…

نعم.. حاليًا سأحضر للمدرسة…

أغلقت الهاتف… وبسرعة توجهت لغرفتها لبست عباءتها…

هيا يا «جوهر» لنذهب للمدرسة بسرعة….

وصلت الأم للمدرسة… وتتوجه إلى مكتب المديرة...

استقبلتها مديرة المدرسة…

شرحت لها الموضوع…. تفاجأت بالخبر كان كالصاعقة عليها...

لم تتحمل... كادت أن تنهار...

جلست على الكنبة…واضعة يدها على رأسها... وتشتت أفكارها…وكأنها انفصلت عن كل ما يدور من حولها…

وشريط ذكرياتها في التعامل مع ابنتها يدور في فكرها….

لحظات قليلة…تدخل «سوسن» الغرفة ومعها المرشدة الطلابية…

تقف بالقرب من الباب… تنظر إلى أمها… وعيناها تفيض من الدموع…

الأم ترفع رأسها… ترى «سوسن»

بدون أي مقدمات...وبسرعة… تقف وتمشي خطوات متعثرة…

تصل اليها… لا تستطيع الكلام الصمت سيد الموقف…

أمي... أمي…. افهميني… أرجوكِ…

أنا... أنا… أن……. قبل أن تكمل الكلمة... أسكتتها صفعة قوية على خذها… كادت أن تسقط على الأرض…

وبنبرة الحزن... والغضب وممزوجة بالبكاء من الأم... أنتِ... أنتِ... يا «سوسن» تنكسي رأسي في الأرض!!!!

لماذا؟؟ لماذا؟؟... هل قصرت معكِ في شيء؟؟ هل تريدين أن تبرري فعلتكِ هذه وأصدقكِ؟؟؟

فضلتكِ على أخيكِ في كل شيء…. لماذا؟؟ لماذا؟؟

المديرة تقترب من الأم... وتضع يدها على كتفها… يا أم سوسن… هدئي من روعكِ... فهذه أول مرة تخرج «سوسن» مع تلك الفتيات…

وهي تقسم أنهن أصررن عليها بذلك…

وهي نادمة كل الندم على فعلتها... وتعهدت ألا تكرر ذلك...

خرجت أم «سوسن» ومعها ابنتها من المدرسة... وكأنها تحمل على راسها جبل من الهم والحزن...

أثناء السير...الأم تتمتم بكلمات…

وكأنها تقول: هذا درس لن أنساه…

كيف كنت مخطئة في التعامل مع ابنتي؟

الأم ينبغي لها أن تتعامل مع أولادها بحكمة… وأن تكون مربية ومراقبة لجميع تصرفاتهم… وأن تضع حدود لكل تصرف تراه غير مناسب…

وأن تعدل بين الأبناء….

فالأم مدرسة... إن أعددتها اعددت شعباً طيب الأعراق