صَّدَاقَةُ تنمو برُفْقَةِ صَلاَحٍ
تزدحمُ المفاهيمُ ومقاصدها على الكثيرِ مِنْ الناسِ في تحديدِ المعنى المجدي والناهضِ في المرادِ بالصَّدَاقَةِ ومدلولاتها وأهدافها.
سنتناولُ في هَذِهِ العُجالةِ ونقفُ على مغزى هذهِ المفردةِ الهامةِ وأهدافها ومجالاتها.
تعددتْ تعاريفُ الصَّدَاقَةِ، لَكِنْ سنركزُ على اشهرها والمتفقُ عليها وهي أنَّها عبارةٌ عن ارتباطٍ وثيقٍ بَيْنَ شخصينِ لديهم نفسُ مشاعرِ الاهتمامِ، والاحترامِ، والإعجابِ، والقلقِ، أو حتى الحبِ.
أما أهدافُ الصَّدَاقَةِ فتكونَ منصبةً وتحققُ من خلالها ما يلي:
1 - تساهمُ الصَّدَاقَةُ وتساعدُ في تنميةِ تحملِ المسئوليةِ؛ فالصديقُ يساعدُ صديقهُ في التغلبِ على مواطنِ الصعودِ، ومواطنِ الهبوطِ في الحياةِ، فالصداقةُ هي مفتاحُ نجاحنا في جميعِ علاقاتنا، ويمكنُ أنْ تخلقَ إحساسًا بالهدفِ في حياتِنا.
2 - والصديقُ يساعدُ صديقهُ في الخروجِ مِنْ مناطقِ التوترِ، والاستمرارِ في توفيرِ مساحةٍ عاطفيةٍ آمنةٍ لكي يَكُونَ على طبيعتهِ.
3 - الصَّدَاقَةُ تساعدُ في الحفاظِ على قوةِ العقلِ والجسدِ، كما أنَّها مهمةٌ للصحةِ الجسديةِ حيثُ أنَّ وجودَ صداقاتٍ متينةٍ في حياتِنا يساعدُ على تعزيزِ صحةَ الدماغِ ، والقضاءِ على التوترِ، وهذا يساعدُ بدورهِ على اختيارِ نمطِ حياةٍ أفضل يساعدُ الشخصَ في التعافي من المشكلاتِ الصحيةِ، والمرضِ بسرعةٍ أكبر، وتعتبرُ الصَّدَاقَةُ مهمةٌ بنفسِ القدرِ للصحةِ العقليةِ حيثُ أنَّ قضاءَ الوقتِ مع الأصدقاءِ الإيجابيينَ يغيرُ الحياةَ للأفضلِ، كما أن الصداقة تساهم مساهمة مهمة في هوياتنا الشخصية ، وتساعدُ الصداقةُ أيضًا على دمجِ الاشخاصَ في المجالِ العامِ.
4 - تضيفُ الصَّدَاقَةُ معنى للحياةِ فلا حياةُ بدونِ أصدقاءِ حيثُ أننا نجدُ الصديق وقت الضيق، حيثُ أن تستطيع الأصدقاء في ملئ الأيام المملة بالمرحِ، كما تساعدُ الصَّدَاقَةُ الشخصَ في التغلبِ على الاكتئابِ.
6 - وتساعدُ في تحسينِ الصحةَ العقليةِ، والحبُ في الصَّدَاقَةِ يجبُ أنْ يَكُونَ غيرَ مشروطٍ حيثُ يجب ألا يتوقعُ الشخصُ أي شيءٍ في المقابلِ، والصَّدَاقَةُ تقدمُ نوع خاص من الحب، وتجعلنا نشعرُ بأحاسيسٍ مدهشةٍ مع الأصدقاءِ، وتجعلُ الأوقاتِ التي نقضيها معهم مِنْ الأوقاتِ التي لا تنسى في حياتنا، وتجربةُ الصَّدَاقَةِ تتغيرُ مع تقدمِ العمرِ.
ويهتمُ علمُ النفسِ بالكثيرِ مِنْ الدراساتِ، والبحثِ، وصنعِ النماذجِ حولَ تنميةِ قدراتِ الأطفالِ على تكوين الصداقاتِ، وتجربة الصَّدَاقَةِ تتغيرُ مع تغييرِ البلدانِ والأشخاصِ، وفي الكثيرِ مِنْ الأحيان قد نلجأ إلى الأصدقاءِ بدلًا مِنْ الأقاربِ.
وهنالكَ عدةُ مروياتٍ عن أهلِ البيتِ سلامٌ اللهِ عليهم وردتْ بهذا الخصوص، نعّرجُ على بعضٍ مِنْها:
قالَ رسولُ اللهِ «صلىَّ اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم»: «مَنْ كَانَ يؤمنُ باللهِِ تعالى واليومِ الآخرِ فلا يواخينَ كافراً ولا يخالطنَ فاجراً، ومَنْ آخى كافراً أو خالطَ فاجراً كَانَ كافراً وفاجراً»
أكدَ الإمامُ أميرُ المؤمنينَ «عليهِ السلام» على مصاحبةِ الصادقينَ.
قالَ «عليهِ السلام»: «عليكَ بإخوانِ الصدقِ، فأكثر مِنْ اكتسابهم، فإنهم عدةٌ عندَ الرخاءِ، وجنةٌ عندَ البلاءِ».
كما حددَ الإمامُ الصادقُ بحديثٍ حدودَ الصداقةِ، قالَ «عليهِ السلام»:
«لا تكونَ الصَّدَاقَةُ إلا بحدودِها، فمَنْ كَانَتْ فيهِ هَذِهِ الحدودِ أو شيءٍ منها فانسبهُ إلى الصَّدَاقَةِ، ومَنْ لمْ يكنْ فيهِ شيء منها فلا تنسبهُ إلى شيءٍ مِنْ الصَّدَاقَةِ: فأولها: أنْ تكونَ سريرتهُ وعلانيتهُ لكَ واحدةٌ.
والثانية: أنْ يرى زينكَ زينهُ وشينكَ شينهُ.
والثالثة: أنْ لا تغيرهُ عليكَ ولايةٌ ولا مالًٌ.
والرابعة: أنْ لا يمنعكَ شيئاً تنالهُ مقدرتهُ.
والخامسة: وهي تجمعُ هَذِهِ الخصالِ ألا يسلمنكَ عندَ النكباتِ».
وعندما تناول الفلاسفةُ القدامى والمعاصرين أنواعُ الصَّدَاقَةِ فقد اختلفوا في محدداتها:
فقدْ اقترحَ الفيلسوفُ اليوناني أرسطو ثلاثةَ أنواعٍ للصَّدَاقَةِ، وقالَ بدورهِ أنهُ هناكَ نوعٌ مِنْ الصَّدَاقَةِ قائمٌ على المتعةِ، وفيهِ يتمُ البقاءَ مع الأصدقاءِ طالما أنتَ تقضي وقتًا ممتعًا، وهناكَ نوعٌ آخرٌ قائمٌ على المنفعةِ، حيثُ يمكنُ البقاءَ في الصَّدَاقَةِ مع شخصٍ ما لأنهُ فقط مناسب لمصالحكَ الشخصيةِ، ونجدَ نوعًا آخرًا للصَّدَاقَةِ، ويكونَ قائمًا على الفضيلةِ، وهذا النوعُ بعيدُ المنالِ بالنسبةِ للكثيرينَ، ولكنهُ أفضلَ نوعٍ مِنْ أنواعِ الصَّدَاقَةِ، ويوصي أرسطو أنهُ علينا أنْ نتمسكَ بهذا الصديق الذي يتمسكُ بالفضيلةِ.
أما عن رالفِ والدو إيمرسون؛ وهو فيلسوفٌ أمريكي فقدْ كَانَ لهُ وجهةُ نظرٍ أخرى عن الصَّدَاقَةِ، وكانَ لهُ مقالٌ شهيرٌ يتحدثُ عن الصَّدَاقَةِ، وقد وضعَ هذا الفيلسوف مفهومَ
الصَّدَاقَةِ في فئةِ الخيرِ الخالدِ، وكان يبدو إيمرسون أكثرَ واقعيةٍ من أرسطو فيما يتعلقُ بالصَّدَاقَةِ، ومفهومُ الصَّدَاقَةِ بالنسبةِ لإيمرسون لا يتطلبُ فضيلةً ولكنهُ يتطلبُ بعضَ الاستقلاليةِ.
تظهرُ مضامينُ الصَّدَاقَةِ بأبرزِ تجلياتها في مواطنِ الحاجةِ والعوزِ والمرضِ، لَكِنْ ثمةَ ضابطةٍ ومعاييرً موضوعيةٍ تحددُ ما يجبُ أنْ يَكُونَ وما ينبغي عملهُ مِنْ الصديقِ لصديقهِ والتي لا تخضعُ للاراءِ والانفعالاتِ والتجاربِ الشخصيةِ التي تخرجُ في كثيرٍ مِنْ الاحيانِ عن هَذِهِ الضابطةِ؛ ولكون ما تأمنهُ مِنْْ استمراربةِ العلاقةِ بينهم وديمومتها مهما طرأ واستجد من تغيراتٍ.
فمثلاً؛ فإنهُ ليسَ لمجردِ حدوثَ حدثٍ عابرٍ أو سوءِ فهمٍ أو تقديرٍ خاطئٍ يَكُونَ مبررًا لانهاءِ العلاقةِ والصَّدَاقَةِ بينَ هذا الطرفِ أو ذاكَ؛ بل يجبُ أن تبنى العلاقة بينهم ضمنَ إطارٍ قيمي لا تعصفُ بهِ وتزعزعهُ مثلُ هذهِ التغيراتِ.
وهنا نختمُ حديثنا بشعرٍ جميلٍ عن الشافعي رحمهُ اللهُ عن الصديقِ وصفاتهِ:
المرء يُعرفُ فِي الأَنَامِ بِفعلِه
وَخَصَائلُ المَرءِ الكَرِيم كَأَصلِهِ
اصبِر عَلَى حلوِ الزمَانِ وَمره
وَاعلَم بِأَنَّ الله بالغُ أَمرِهِ..
لا تَسْتَغِيب فَتُسْتَغابُ، وَرُبّمَا
مَن قال شَيئاً، قِيلَ فِيه بِمِثلهِ
وَتَجَنَّبِ الفحشَاءَ لا تَنطِق بِهَا
مَا دُمْتَ فِي جِدّ الكَلامِ وَهَزلِهِ
وَإِذَا الصَّدِيْقُ أَسَى عَلَيْكَ بِجَهْلِهِ
فَاصْفَح لأَجلِ الودِّ لَيسَ لأَجلِهِ
كَم عَالمٍ مُتفَضِّلٍ، قد سَبّه
مَن لا يُساوِي غرزَةً فِي نَعلهِ
البَحر تَعلُو فَوقهُ جِيَفُ الفَلا
وَالدُّرّ مَطمورٌ بِأَسفَلِ رَملِه
وَاعجَب لِعُصفُور يُزَاحِمُ بَاشِقاً
إلّا لِطَيشَتِهِ وَخِفةِ عَقلِهِ
إِيّاكَ تجنِي سُكَّراً مِنْ حَنْظَلٍ
فَالشَّيْءُ يَرْجِعُ بِالمَذَاقِ لأَصْلِهِ
فِي الجَوِّ مَكْتُوْبٌٌ عَلَى صُحُفِ الهَوَى
مَن يَعمَلِ المَعرُوفَ يُجزَ بِمِثلِهِ