آخر تحديث: 28 / 4 / 2024م - 4:55 م

الحب والكراهية بين التكامل والتنافر

كاظم الشبيب

أيهما أقرب للحقيقة والواقع في العلاقة بين الحب والكراهية؟ هل العلاقة بينهما تندرج تحت ”منطق التنافر“ أم أن قاعدة ”تكامل الأضداد“ تشملهما؟. لنرى. 

أعتقد بأن الأمر يحمل الوجهين ويحتملهما. 

فكل واحد منا يحب نفسه. لا أحد يكره نفسه، وإنما قد يكره تصرفات منها. كل واحد منا يحب هويته. لا أحد يكره هويته، وإنما قد يكره تصرفات أفراد أو تصرف جماعة من أهل هويته. كل واحد منا يحب وطنه. لا أحد يكره وطنه، وإنما قد يكره بعض المواقف من أهل وطنه. لا أحد يكره اولاده وأهل بيته، وإنما قد يكره بعض تصرفاتهم. في هذه الوجوه ليس هناك أي معنى للتضاد بين الحب والكراهية وإنما هو وجه مشرق للتكامل. ولكن هناك وجوه أخرى يكون فيها الحب والكراهية متنافرين لا متكاملين. 

الحب والكراهية في ظاهرهما تضاد وتعاكس، بينما قد يكون في باطنهما تناغم وتكامل. ليس كل متضادين في حقيقتهما تضاد وإنما قد يكون أحدهما مكمل للآخر. فعندما نقول الطفل مضاد للمسن فلا يعني ذلك أنهما ضد بعضهما وإنما مكملان لمسيرة بعضهما. الماء البارد الذي يصبح ساخناً أو العكس. الشروق والغروب. البطئ والسرعة عند اللاعبين. المد والجزر. الليل والنهار. الحياة والموت. جميعها تتكامل وفق دورة الحياة والكون الطبيعية.

هناك شعار متوهج لعالم الفيزياء الكمومية الدنماركي ”نيلز بور“ وعبارته الرصينة حول التناقض، يعكسان ما يعده ”بور“ الحقيقة العميقة للواقع، إن هذه الحقيقة معتبرة منذ زمن في الفلسفات الشرقية، ويرى ”بور“ أن نظراءه من العلماء في الغرب لم يقدروها حق قدرها، إن فحوى هذه الفكرة أنه لا يوجد تفسير واحد منطقي، أو رسم بياني، أو نظام محكم يمكنه تفسير الواقع تفسيراً تاماً؛ بل إن الأمر يتطلب وجهات نظر مختلفة وتأويلات غالباً ما تكون متناقضة ومتضاربة، لتشكيل نظرة كلية للواقع. وقد استقر رأيه على عبارة «تكامل الأضداد»؛ وهي عبارة مختصرة من أحد اقتباساته المفضلة «الأضداد ليست متناقضة بل متكاملة» * 

ومن باب التكامل بين الحب والكراهية، حيث تستجد على الدوام تغييرات طبيعية على كل هوية وأهلها مما يجعلهم يظهرون بصورة مختلفة عما كانوا عليه قبلها. نجد أن التغير في الهوية الذاتية والجماعية هو تغير طبيعي كالتغيرات التي تحدث في جسد المرء ما بين الولادة والوفاة، كمن يعيش 90 سنة على سبيل المثال، وهي حالة تتعرض لها هويات كل البشر على وجه المعمورة في دورة الأجيال المتتالية. فقد نجد، في حقبة زمنية، تضخم الكراهية بين الكاثوليك والبروتستانت إلى حد التحارب في بعض البلدان، بينما نجد التحابب بينهم قوي في حقبة زمنية أخرى. في المقطع المرفق رؤية للموضوع من زاوية مفيدة: 

 

* ص 49 موضوع بعنوان تكامل الأضداد لدكتور الفلسفة تيم دين، مجلة الفيلسوف الجديد، النسخة العربية عدد 4، بتصرف