آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

جَفَافُ الحقائِق

ليلى الزاهر *

ما أن يصادفك شابّ يقود مركبته خلفك إلا وأعطاك إشارة أن أفسح لي الطريق وإلا سوف أتجاوزك وأتسببُ في إرباك حركة سيرك. وليس بمقدورك عندها إلّا أن تُذعن له حتى تضمن بقاءك بسلام ثمّ ينتظم سيرك من جديد.

وبعض الشباب - أصلحهم الله - تقفز عندهم قوة التّخيل لدرجة أنهم يشعرون وهم يقودون مركباتهم بأنهم في سباق سيارات على الطريق السريع، وقد يقترح أحدهم على الراكب بجواره أن يحلق فوق تلك المركبة التي يظن صاحبها خصما مزعجًا فيحاول أن يسبقها بكل وسيلة ويردد ساخرًا:

ربما كان سائقها عجوزًا مسنّا أو من العمالة الهنديّة.

وربما صادفته امرأة لا تُحسن القيادة - على حدّ زعمه - فلا يسعه سوى شتم وسبّ من أعطاها رخيصة السير!

وماذا بعد ذلك كله؟!

إليكم هذه التفاصيل المؤلمة:

«أكدت ”جهينة الإخبارية“ على لسان أمين عام لجنة السلامة المرورية أن إحصائيات الحوادث الجسيمة من عام 2018م وحتى نهاية الربع الثالث من هذا العام، وصلت لـ 58% كان أحد أطرافها سائق من الفئة العمرية من 16-30 سنة. وأوضح أن وفيات هذه الفئة بلغت 39% من إجمالي وفيات الحوادث المرورية و45% من إجمالي الإصابات البليغة للحوادث في المنطقة»

الشباب طاقة كبرى وبإمكان الشباب امتلاك ناصية الحياة بأكملها والمساهمة في البناء لا الهدم، في إعمار العقول لا تجميدها.

وكثير من الممارسات المتهورة التي يقوم بها بعض الشباب يندمون عليها كثيرًا بعد مضي الوقت وبعد انقضاء أجمل فترات الإنجاز.

ولعل من المستحسن احتواء الشاب مرارا وتكرارًا حتى وإن بالغ في صدّه لنا؛ لأنه لابد وفي يوم ما أن يشعر بمحبتنا له ويخالجه شعور الطمأنينة فيرتدي لباسًا جديدا غير لباس التّهور والاندفاع أو يرتد عن عدم السماع لنصح ذويه والمقربين له.

إنّ أولادنا الشباب يشكون من جفاف الحقيقة، ويجهلون نفاد ساعاتهم الثمينة في وقت امتلأ بالحياة والصحة ويحتاج لاغتراف العلم، فمتى تعمل في شبابك، وفي مقتبل عمرك بجد واجتهاد فسوف تنعم براحة بقيّة سنواتك.

وكل الأمور الترفيهية تنتظر وتتجدد على مرّ الأيام والسنين ولكن مالا ينتظر هي سنوات العمر إذا قضيتها في دعة وراحة مميتة.

وحجم المسؤولية الملقاة على عاتق الشباب كبيرٌ جدا والإعداد لها يتطلب جهدًا فينفي الكسل والراحة وارتياد المقاهي وقد يتطلب المشي على الشوك للوصول لنهاية الطريق بأمان.

أنا لستُ ضد الجانب الترفيهي ولا أنكر أهميته في تجديد الطاقات وبعثها بشكلٍ أقوى ولكن العبث بوقت الدراسة والاستخفاف بالعلم أمرٌ يجب تجاوزه كي نشعر بأهمية رسالة الشباب الحقيقية في إعمار الأرض وبناء العقول.

يقول الرسول الكريم ﷺ: «لا تزول قدما ابن أدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيما أفناه؟ وعن شبابه فيما أبلاه؟ وماله من أين اكتسبه؟ وفيما أنفقه؟»

عزيزي الشاب لا تقدم تعليلات غير مقبولة.. الرزق بيد الله، والاجتهاد فرض واجب، والغرور المعرفي يجعلك تمتطي مراكب الحضارة، ولا تستقيم الحياة دون تعب وإنجاز.

فهناك أبطال قادوا زمام الأمور وهم شباب وهناك أنبياء بُعثوا شبابا يقول الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿يا يَحْيى‏ خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا «سورة مريم، آية 12»

والآفة الكبرى هي ركود حركة الشباب، فلا يصح لشبح عدم الحصول على الوظيفة أن يكون طوقًا من حديد يخنق أنفاسنا فأرض الله واسعة ومازال يوجد متسع من الرزق في كل مكان مادامت خزائن الله تعالى ممتلئة بالخيرات.