الاستعانة بالشواهد القرآنية في المجالات العلمية والمعرفية
القرآن الكريم خطاب سماوي من الحق إلى الخلق معجز بألفاظه ومعانيه
• وقد تضمن حديثا عن نفسه بوصفه معجزا ونورا وبرهانا وما شاكل ذلك
• وتضمن حديثا عن خالقه وصانعه تبارك وتعالى كوجوده وتوحيده وأسمائه وصفاته وأفعاله وأوامره ونواهيه وما أشبه ذلك
• وتضمن حديثا عن الخلق من حيث دنياهم وأخراهم وصالحهم وطالحهم ومعاشهم واكتسابهم وما يحل لهم وما يحرم عليهم وما ينبغي علمه والاعتقاد به وما يجب عمله ويلزم القيام به وكل ما له صلة بنظم أمورهم وتقنينها مضافا لتربيتهم وتهذيب جوارحهم وجوانحهم وترغيبهم بالطاعة وترهيبهم من المعصية وما إلى ذلك.
ما ذُكر وغيره يجعل من القرآن منهجا للحياة ونظاما للمجتمع وقانونا يحكم بينهم ومعينا يغترفون منه العلم لا ينضب أبدا ولذا كان بحق خاتم الكتب السماوية وناسخها الحاكي عن خاتمة الشرائع الإلهية التي أنقذنا بها خاتم الأنبياء الحبيب المصطفى ﷺ ومن الطبيعي حينها صيرورة القرآن الكريم مائدةً للبحث العلمي ومنهلا للظامئين من العلماء والمفكرين والأدباء والمثقفين؛ فلا غرابة من استدلالهم بأطروحاته واستشهادهم بمضامينه ولئن كان استشهادُ علماء المسلمين بالقرآن الكريم في سياق العلوم الطبيعية الكونية حديثَ العهد نسبيا - نظير استشهادهم بالآية السابعة والأربعين من سورة الذاريات ﴿والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون﴾ «47» حيث كثر تداولها حال الحديث عن «التمدد الكوني» - بيد أن استشهادهم بالذكر الحكيم في نطاق العلوم الوحيانية وما يتصل بها من المعارف الإنسانية قديم بقدم تلك العلوم وإن كانت هذه الحالة قد فُقدت من حوزاتنا العلمية وتلاشت تماما للأسف الشديد وبالأخص على صعيد المصنفات والمؤلفات الحوزوية المتأخرة، ولذا تجدون كتاب «المكاسب» - وهو المتن الدراسي المعتمد في المؤسسات والمعاهد الشيعية العلمية الذي كتبه الشيخ مرتضى الأنصاري رأس المدرسة العلمية الإمامية المعاصرة المتوفى عام 1281 هج - قد ابتدأ الشيخ الأعظم فيه متيمنا بعمومات روائية منسوبة للنبي وآله معدن العلم وهذا العمل وإن كان في حد ذاته حسن إلا أن هذه الروايات في أنفسها وبما هي هي محتملة للحجية وعدمها، وأينه عن الآيات البينات المتواترات الثابتة لها الحجية قطعا عند جميع المسلمين اللهم إلا من شذ - إن كان - فأين هو منها وهي عمدة مصادر التشريع والدليل الأول في سلم الأدلة الأربعة المتعارفة «أعني القرآن والسنة والعقل والإجماع» ومن العجيب الغريب أن يُناقش في ضروري هو ثبوت سبق رتبة القرآن طوليا وتقدمه على الأخبار وحاكميته عليها كما هو مقتضى أحاديث العرض الآمرة بعرض مطلق كلام المعصومين على كلام الله تعالى ذكره بدليل ترك الاستفصال. والعلوم المشار إليها سلفا وُلد بعضها في أحضان القرآن الكريم كعلم العقيدة وعلم التفسير، ونمى البعض الآخر منها بمدد بحر القرآن المتلاطم وبركته العميمة كعلم القراءات وعلم المقامات وعلم التجويد وعلوم البلاغة وصار القرآن نبعا لبعض ثالث كعلوم اللغة من نحو وصرف وما شاكل، وصارت هذه العلوم بل مسائلها مرتبطة بالقرآن الكريم حتى الجذور التاريخية لنشأة بعض مسائلها وهذا واضح للناظر البصير والعارف الخبير والفطن المستنير.
أسأل الله جل وعلا أن يسجل اسمي في خدمة كتابه المبين بحق النبي وآله المنتجبين، كما وأسأله تبارك وتعالى أن يتقبل مني هذا القليل ويجعله لي ذخرا وزادا ﴿يوم لا ينفع مال ولا بنون * إلا من أتى الله بقلب سليم﴾