مِرْساةُ وَهْمٍ
نَاءَ الواهمُ بوَصَبٍ قلَّ مُجبَرهُ، يَحومُ حولَ لَظى لاَ مُحَالَ مُلاقًيهِ! اِرْتَقَى طَّوًْقًا وهِنًا بظنٍ قاصرٍ منهُ يُنجيهِ، خذلهُ وهمٌ بغدرٍ على كل ما كَانَ يحويهِ.
قد تغيرتْ دِفةُ زمامهِ! امتطى الواهمُ بعلوٍ زائفٍ ظهرَ جوادهِ زاهيًا مُتمرسًا، يخيِّلُ لهُ أنهُ يديرُ دفةَ زمامهِ كيفما يشاءُ بكِبرٍ مُتغطرسًا!!
سيطلقُ الصبحُ ببصيرةِ صفوٍ! سيُثني بصيرتهُ الضبابيةٌ التي سدَتْ ضوءًا ينفذُ مِنْ مُقلٍّ يبددُ ظلمتُها فَلَقُ الصبحِ، ينثرُ على ورقِ الشجرِ بماءٍ برِقَّةِ صَفْوٍ نَّدَاهُ بنَّضَحٍ مُتعطشًا.
بونٌ متسعٌ مداهُ! وقد أركبَ الواهمُ الواهنُ نفسهُ في غائلةٍ ساقتهُ في بَوْنٍ متسعٍ بين نورٍ وظلامٍ مُتسرعًا، ينصاعُ لهُ كلُ ذي صاحبِ وهنٍ وانكفاءٍ وسوءِ منقلبٍ صارَ إليهِ مبتغاهُ.
ضاعتْ سنونُ عمرهِ! عنتْ نفسهُ لنزعٍ كبَّلهُ وتلتْ عليهِ بصارمٍ مِنْ أيامٍ نحسِّاتٍ، ما ابقتْ لهُ من نصيبٍ من سني عمرهِ التي انصرمتْ بهدرٍ تبعها نائباتٌ بما حصدتهُ يداهُ.
سرابُ الظمآنِ يحيكُ! أنّ لهُ مِنْ فكِ حبائلٍ ما اعترى نفسهُ نحو وهمٍ ركزَ على وهنٍ، يحسبهُ الظمآنُ ماءً كلما مشى نحوهُ لم يجد منهُ شيئًا إلا بلاء وفتن.
قرآن يُتلى ويصدحُ على مرِ الزمان مناديًا، لا تنفعُ الواهمُ حينئذٍ حيلةٌ ولا نصبٌ ولا فكرٌ كفكرِ أبي لهبٍ، وأمرأةٌ كانتْ لهُ تحملُ الحطبَ، سيلفُ على عنقها ويطُّوقها حبلٌ من مسدٍ.
بُوصَلةُ فكرهِ متأرجحةٌ ذاتَ اليمين وذاتَ الشمال، لا يستقرُ لها من فرطِ وحشةِ ذنبٍ كَانَ هو عرابها؛ فصَّلها بمقاساتٍ عملهِ الخاطئةٍ، ونظرةٍ لهُ في مآل الأمور كانتْ ضيقة.
طوفان يا لَهُ من طوفان!
نجاةُ نوحٍ لم تكنْ بركوبهِ سفينةٍ تسبح في أهوال، لكن طاعة منهُ للهِ وامتثالاً لأمر مولاهُ أنجتهُ من ذلك الحال. ما خطه نهج نوح نفع من بقى من الناس عليه، ونما كشجرةٍ طيبةٍ أصلها ثابتٌ وفرعها في السماءِ، فيها ثمرٌ يانعٌ يخرجُ منها، تُؤتي أُكلها كل حين بسخاء. ومن أوهم نفسه بالنجاة غرق وهلك.
وَاهٍ على ما مضى! عبراتٌ أسى تذرفُ دمعًا دافقًا على ماضٍ تليدٍ، تحبسُ أنفاسًا علّها تستجلبُ ما فاتها قبل أخذها بوعدٍ ووعيدٍ.