معوقات العمل الخيري التطوعي والمسؤولية المجتمعية
قال عز من قائل: ﴿وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ [ التوبة 105 ]
تضمُ مجتماعاتنا في هذا الوطن الغالي كفاءاتٍ ذاتَ طاقاتٍ كامنةٍ وخلاقةٍ تكتنزُ من الإبداعِ والإقدامِ والاستعدادِ على الانخراطِ في كافةِ المساهماتِ والأعمالِ التطوعيةِ؛ مما يساعدُ في إثراءِ هذهِ المبادراتِ التي تصبُ في نهايةِ المطافِ إلى دعمِ هذهِ المشاركاتِ وتزويدها بالعنصرِ البشري الذي تحتاجهُ لاداءِ هذهِ الانشطةِ المهمةِ والملحةِ لاكتمالِ خدمةٍ هنا أو هناكَ يتلقاها المحتاج أو المستفيد.
لكنَ هنالكَ بعضُ المعوقاتِ التي تكون حائلاً دُونَ الوصولِ إلى المستوى المرادُ تحقيقهُ والغايةُ المنشودةُ من الخدمةِ؛ والتي يعود سببه الرئيس في وجودِ ضعفٍ كبيرٍ ومحدودية في المعلوماتِ المتاحةِ لشريحةٍ لا يُستهان بها من الناسِ، ومحدداتٍ لا يتفهمها الكثيرُ منهم فيما يتعلقُ بآليةِ العملِ وطبيعتهِ داخلَ هذهِ المنشآت الخدمية والتي تفرضها القوانينُ والتعليماتُ التي تردُ إليها من قبلِ الجهاتِ المشرفةِ على مثلِ هذهِ الكياناتِ الخدميةِ كالجمعياتِ الخيريةِ وغيرها، والتي تضمن لها هذه التشريعات بالضرورة في أن تكون ضمن إطار محدد وهدف يمكن تحقيقه وواضح يتماشى مع الغاية التي وجدت وأنشئت من أجلها هذه الكيانات التى تعنى بتقديم الخدمات للمعُّوزين من الناس، مما يترتب عليه عدم وضوح الصورة للبعض مؤديًا أن يكون هنالكَ مواجهةٍ مباشرةٍ معهم وسوءِ فهمٍ لديهم تجاه هذه الجهات الخدمية، مما سيؤول إلى حجب أو تعطيل خدمة ستنفذ في هذا الموقع أو ذاك. وعلى نفس هذا السياق؛ أن البعضَ يأتي لمحاسبةِ هذهِ الجهةِ الخدميةِ على خدمةٍ يتطلبها أو يعتقد أنها غير موجودة وعندهُ لبس وغياب للمعلومةِ عنها، ويتضحُ لهُ فيما بعد أنها موجودةٌ ومفعلةٌ ويعملُ بها.
ورد عن رسولِ الله ﷺ قولهُ: «إحمل أخاك المؤمن على سبعين محملاً من الخير»
وعن أميرِ المؤمنين - سلام الله عليه - قوله: «لَا تَظُنَّنَّ بِكَلِمَةٍ خَرَجَتْ مِنْ أَخِيكَ سُوءاً، وَأَنْتَ تَجِدُ لَهَا فِي الْخَيْرِ مُحْتَمَلًا».
وعن الامامِ الصادق - سلام الله عليه - قوله: «إذا بلغك عن أخيك الشيء تنكره، فالتمس له عذرًا واحدًا إلى سبعين عذرًا.. فإن أصبته، وإلا قل: لعل له عذرًا لا أعرفه».
ومما تؤكدهُ هذهِ المرويات الشريفة إن غالبية الناس في تقييمهم وتصنيفهم للأشخاص، يعتمدون على قول فلان أو علان، لذا نجد فيما روي عن امير المؤمنين سلام الله عليه قوله: «أما إنه ليس بين الباطل والحق إلا أربع أصابع، وجمع أصابعه ووضعها بين أذنه وعينه، ثم قال: الباطل أن تقول: سمعت، والحق أن تقول: رأيت».
يبين قوله سلام الله عليه خطورة ومؤدى القيل والقال وما يتبعهُ ذلك من الحقدِ والعداوةِ وتفريق صفوف المجتمع وتشتيتهِ، وهذا ما أشارت له الآية الكريمة في قوله جل وعلا:
﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [ الأنفال 46 ]
وما ورد عن النبي الأكرم - ﷺ أنه قال؛ «كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع».
والذي يزيد الامر سوءًا وغرابةً أن هذهِ الأقاويل، أو بعض هذه التهم منقولة من شخص تحدث في مجلس، ولا يعلم من مفتعلها صدقه من كذبه؛ فلنجعل من قوله جل وعلا نصب أعيننا عند تناولنا لمثل هذه الأمور، حيث قال عز من قائل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ . [ الحجرات 6 ]
وهذا اللبس يؤدي في كثير من الاحيان إلى عدم تفهم موقف ومبررات هذه الجهة الخدمية وامتناعها أو رفض هذه مشاركة في نشاط تطوعي تم طرحهُ من ذلك الطرف أو ذاك من أبناء المجتمع، مما يجعل من هذا المتقدم للعمل التطوعي صاحب المقترح من قبله سلبيًا مما يجعله يرتب عليه موقفًا تصاعديًا تجاه كل ما يخص هذه الجهة الخدمية ويشنَّع على هذه الجهةِ في كلِ نادٍ ومحفلٍ.
ولتلافي العوق في استمرارية المساهمة في الانشطة التي تتطلب متطوعين فإنه على أبناء المجتمع تلمس المجالات التي يُسمح فيها بالنشاط والتطوع وهي كثيرة ومتنوعة ومتاحة وتدخل ضمن ما هو مقر ومسموح به؛ حتى يمكن الاستفادة وتحقيق الغرض المطلوب المراد الوصول إليه، وبالمقابل ينبغي لهذه الجهات الخدمية تفعيل الماكينة الاعلامية بتوضيح وبيان هذه التوجيهات التي تتبعها بشكل كبير ومضاعف ووافي؛ لجلب هذه الطاقات البشرية التي تحتاجها لتنفيذ هذه الانشطة.
ولبناء أجواء إيجابية وحالة صحية معززة ومثمرة ومنتجة لأبناء المجتمع ان يكون توجهم ودورهم دور العطوف والمتفهم الذي يلتمس العذر لمن يعمل في هذه المنشآت الخدمية لاعتبارات مهمة في كون من يعمل في هذا الجانب الخدمي لا يتقاضى أجرًا على عمله هذا شيء، وشيء آخر لما ياخذه هذا العمل من وقت وجهد ومسؤولية يتحملها على حساب نفسه وأسرته وصحته.
نقول هنيئًا لأصحاب القلوب الدافئة الذين يكتنفون حب الخير والصلاح، وهم حين يترددون على هذا المرافق الخدمية كزائرين أو متبرعين أو متطوعين تراهم خجلين لما تملكهم من احساسٍ بتقصيرٍ لعدمِ مشاركتهم مع من يعمل في هذا المرفق الخدمي، بدل أن ينصبوا أنفسهم بدور المحاسب الصرف ومجتر الزلات والتبعات على هؤلاء العاملين بدون وعي وإلمام، فيطرحون المشاكل مجردةً دون تقديم الحلول الناجعة لهذه الاشكالات.
دور هَذِهِ الجهات الخدمية وما تقدمهُ هو؛دور توفير الحد الذي يستغني عنه طالب الخدمة عن سؤال الناس، وليس دورها دور الذي يعطي فوق الحاجة ومراعاة الأولى فالأولى من حالات تعرض؛حسب معايير ثابتة ومحددة وموضوعية تطبق على طالبي المعونة.
وفي مثلِ هَذِهِ الجهاتِ الخدميةِ لا يكون لقرار فرد منها مقبولية ونفاذ؛ إلا بموافقة مجلس إدارة هَذِهِ الجهةِ الخدميةِ هذا من جانبٍ، وخضوع هذه الإدارة لأنظمة وتعليمات تسنُّها وتنظمها هذه الجهات المشرفة عليها من جانبٍ آخر.
فليكن الدور الذي يمارسه الواعي والفاهم من أبناء المجتمع في قيامه بنشر ثقافة التسامح والمساند والداعم والموجه بين أبناء المجتمع مع هؤلاء العاملين في هذه الجهات الخدمية، وتعزيز روح الايجابية بين الجميع؛ لكون النفع والفائدة ستعم ويستفيد منها الجميع.
قال تعالى:
﴿سَلَامٌ قَوْلًا مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ﴾ [ يس 58 ]