من الأسلوب ما قتل
يُنقل أن ملكاً رأى في عالم المنام أن أسنانه تتساقط الواحد بعد الآخر حتى تساقطت جميعًا. أزعجته هذه الرؤيا فأمر بإحضار معبر الرؤى وما أن مثل بين يديه قص عليه رؤياه فكان الجواب مختصراً لما تعنيه ”أن جميع أهلك يموتون وتبقى لوحدك“.
لما سمع الملك ذلك غضب بشدة إلى حد أمر بقتل المعبر متشائماً من قوله وإخباره بفقد أحبته في حياته وطلب أن يؤتى بآخر فحضر وقال له كما قال الأول دون زيادة أو نقصان فجاءه الرد هذه المرة ”أبشرك أيها الملك خيراً بأنه يطول بك العمر حتى تكون أطول أهل بيتك عمراً“.
بان الفرح والسرور في وجه الملك واستبشر بما سمع وقال أعطوه ما يليق بمقامه ولِما أدخله علينا من ارتياح.
مَن يدقق فيما قاله المعبران للملك يجد النتيجة واحدة وهي ”طول عمر الملك في أهل بيته“ لكن الأسلوب والطريقة لعبا دوراً مختلفاً في إيصال المعلومة. ففي المرة الأولى نتج عنها قتل القائل وفي الثانية مجازاة من قال وإلى يومنا هذا نقرأ أسلوبين مختلفين من الكتابة المعنى والمقصد واحد والطريقة هي من تحدد فهمنا لنتائجها وحكمنا عليها وعلى قائلها أحياناً تكون سلباً وربما دون أن نكمل قراءتها والسبب الكلمات الغير متقبلة والمرفوض التعاطي بها في مَن قِيلت فيه أو أخبرت عنه ”بالاضافة إلى تعجلنا المتعارف في صدور الأحكام دون تريث وتحقق وقد اعتاد الكثير منا ذلك“ حتى يصل بنا الأمر إلى التذمر من الأول واستهجانه والتشكر من الثاني والإشادة به وهكذا.
لهذا علينا أن نكون بارعين في اختيار العبارات المثلى لمخاطبة العقول وهو فن لا يتقنه ويجيده إلا مَن عرف أطياف وثقافات المجتمع المختلفة من حيث هم لامن حيث هو ”لا تدعي فهم المعاني وتقول لحناً البلاغة ما يفهمه من تعنيهم بخطابك دون تكلف“ عجزك عن حسن تعاملك مع مجتمعك تجعل من نفسك أول الفاشلين. ولا يقتصر هذا على الأسلوب الكتابي والتعبيري فقط بل حتى في عالم الطب نجد طبيباً خلوقاً يتحسس آلام مرضاه في قلبه يخبر صاحب المرض الخطير أو المستعصي بطريقة مرنة مطمئنة يعطيه أملاً في الشفاء منه أو تقبله كواقع يتعايش معه وإن كان في عالم الطب لا يتحقق ذلك.
وآخر لا يعنيه ما يحمله المصاب ويعاني منه يخبره عنه بكلمات صادمة مميتة دون مقدمات تقتله زيادة عما فيه إلى أن يفقده الأمل في الحياة بل ويضيف إليه حالة مرضية نفسية أكثر من جراحه.
النتيجة هي ذاته ولكن شتان بين الخبرين. ويتعدى هذا المعنى عند إبلاغ خبر محزن عن أحد الأولاد لوالديهم أو لزوجة عن زوجها أو العكس أو عن أحد الإخوان أو مَن يعز علينا يجب أن نصل هذا بطريقة مخففة للحدث فيها المواساة ما أمكن لا نحمله قسوة وشدة ومزايدة على واقعه كما يفعله البعض من التهويل غير المبرر في نقله وربما من يعنيه الخبر مصاب بأمراض تودي بحياته حال سماعه. وكذلك في حالة إصلاح ذات البين كم من محاول للإصلاح يفسد بقوله ولا يصلح؟ والسبب طريقته الغير مفهومة عند مَن يتلقاها أو جهله بعقولهم ”إن كنت غير قادر على إيصال هذه الرسالة فأعطي القوس باريها“