آخر تحديث: 2 / 5 / 2024م - 1:07 ص

عفةٌ وحياءٌ فيهما عزةٌ ونجاة

ناجي وهب الفرج *

يغدُ الجميلُ بقبحِ صورةٍ عند تجردهِ من الخلقِ الحسنِ، لا يتعدى ما بهِ من قالبٍ مادي صرفٍ مكانهُ ووقتهُ ينتهي أثرهُ بزوالهِ وغيابهِ، وتزولُ المتعةُ فيهِ بمجردِ انقضائها.

سنتعرضُ لخصالٍ عندما تلازمُ صاحبها فهي حافظةُ لهُ وتترك عليهِ خيرًا في دنياهُ وآخرتهُ، سنطرق أهم هذه الخصال وهي ”العفة“ من حيث دلالتها اللغوية والاصطلاحية وأنواعها وعلاقتها بالحياء ودلالتها وعظيم مكانتها ومنزلتها في القرآن الكريم وما ورد عنها في روايات أهل البيت ونختم الحديث بالعوامل التي تسهم في تقويتها وترسيخها.

فالعفة عند أهل اللغة هي الكف عما لا يحل ويجمل، أو هي اعتدال القوة الشهوية في كل شيء من غير ميل إلى الإفراط والتفريط.

أما ماهيتها الاصطلاحية فهي ضبط النفس عن الشهوات وقصرها على الاكتفاء بما يحفظ الجسد ويحفظ صحته فقط واجتناب السَّرف في جميعِ الملذات وقصد الاعتدال.

أما أنواعها فمتعددة فتكون في:

1 - عفة النفس: والتي تحصل بتزكيتها وتطهرها من الرذائل حيث قال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس 9-10].

2 - عفةُ الجوارحِ وتحصل بتسخيرها في ما يرضي الله تعالى ووقايتها مما يغضبه. فاليد تكون بأن لا يمدها إلى المحرمات. وعفةُ الرجل والمرأة بأن لا يمشيان بها إلى الباطل والمحرمات. وعفة اللسان بأن لا ينطق بما لا يرضي الله تعالى. وعفة السمع بعدم الاستماع للمحرمات. وعفة البصر بغضه عن المحارم.

3 - وهناك عفة البطن وتحصل بحفظها من الحرام، فلا يأكل ما حرم الله ولا يرتكب الشبهات.

4 - عفة الفرج: عدم الاستمتاع به في الحرام وحفظه كما أمره تعالى بقوله: ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنََّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا [النور: 31]

أما علاقة العفة بالحياء فيكون في كون الحياء أساس العفة وهي ثمرته، فهو أمر مركوز في النفس يتطور وينمو بزيادة الإيمان والتقوى اللذين يلائمنا فطرة الإنسان وينميها مكتسباتها ومنها الحياء، والعفة - بعد ذلك - الأثر العملي البارز للحياء والذي يظهر على الجوانح والجوارح فيكون الثمر الطيب الذي يخرج من شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.

لقد ذكرت العفة بصور متعددة في كتاب الله المجيد وفي عدة مواضع:

أولاً: جاءت العفة في قسم من تلك الآيات في مورد التعفف والترفع عما لا يملكه الإنسان من أموال الغير، وهذا ما أشارت إلية الآية الكريمة:

﴿لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ۗ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ [273 البقرة]

ثانيًا: وذُكرت في مورد التسامي عن الغرائز والرغبات.

قال تعالى جل شأنه: ﴿وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ …. [النور 33]

ومما يجب ذكرهُ في هذا السياق أن الحجابَ والعفةَ والحياءَ لا تحمي المرأة من الأخطار والانتهاكات الخارجية فقط، بل توفر لها مناعة دائمة وضمانة عن التأثر ضد شهوات النفس وتشكل حجابًا واقيًا ضد وسوس الشيطان وإغوائه وحبائله حيث تغلق أبواب تلك الشرور وتجعل المرأة في مأمن من معصية الله من جميع النواحي، ومن هذه النواحي:

1 - البصر؛ إذ أن العين تزني وزنا العين النظر إلى ما حرم الله، فعن الصادق أو الباقر عليهما السلام قال: «ما من أحد إلا وهو يصيب حظًا من الزنا، فزنا العينن النظر، وزنا الفم القبل، وزنا اليدين اللمس، صدق الفرج ذلك أم كذب»، فلكل من هذه الممارسات مراتب للزنا، والمرتبة الأشد هي التي تكون في الفرج، وهذا الحديث من الأحاديث الرائعة التي توسع معنى الزنا وتجعله شاملاً لكل مقدماته ولا يقتصر على المعنى المعروف منه. وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله قوله: «النظرة سهم مسموم من سهام إبليس، فمن تركها خوفًا من الله أعطاه إيمانًا يجد حلاوته في قلبه».

2 - السمع؛ إذ أن الأذن تزني وزنا الأُذن السماع إلى ما حرم الله، وهذا مما يغفل عنه كثير من الناس في مجتمعنا هذه الأيام - للأسف الشديد -، فإن من جملة المحرمات الحديث بين الشباب والفتيات في الجامعات وأماكن العمل المختلطة وما ينجر إليه من المفاكهة والمضاحكة والقول بالباطل، فإنه كله من مصاديق زنا السمع.

3 - اللسان؛ فتحفظ المرأة نفسها من الخوض في الحديث الباطل مع الرجال لأنه ورد في الحديث عن الصادق، عن آبائه عن رسول الله في حديث المناهي - قال: ﴿ونهى أن تتكلم المرأة عند غير زوجها وغير ذي محرم منها أكثر من خمس كلمات مما لابد لها منه»؛ أي الحديث يكون عند الحاجة وبمقدار الضرورة ولا يكون بصوت خاضع كما في قوله تعالى: «فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا [الاحزاب 31]، حيث إن الخضوع في الصوت يثير شهوة الطرف الاخر وإن لم يكن عن قصد، ولذا ورد النهي من النبي ﷺ في الحديث عما زاد عن مقدار الضرورة، صونًا للمجتمع من إثارة كوامن الفساد وتهييج الغرائز التي من المفترض أن يكون لها إطار خاص تتحرك فيه وهو بيت الزوجية فقط.

فما نجده في مجتمعاتنا من الحديث بالباطل بن النساء والرجال، وكذلك ما شاع في هذه الأيام من مكائد شيطانية بعناوين براقة مزيفة مثل الدردشة والتواصل الاجتماعي وغيرها مما تم ابتداعه لإفساد مجتمعاتنا، كله من حبائل الشيطان وخدعه ومزالقه التي ينبغي للمؤمن عدم السير فيها وتجنبها.

ومما ورد عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله: «أكثر ما تلج به أمتي النار الأجوفان: البطن والفرح» ومما ورد عنه أيضًا ﷺ «ثلاث أخافهن بعدي على أمتي: الضلالة بعد المعرفة، ومضلات الفتن، وشهوة البطن الفَرْجُ»

وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: «من ضمن لي أثنتين ضمنت له على الله الجنة، من ضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه ضمنت له على الله الجنة» فهذا الحديث يدل على أن معظم الذنوب تأتي من اللسان والفَرْجُ فمن استطاع أن يضمن سلامة كل منهما عن الحرام فيكون قد ضمن له مقعدًا في الجنة.

ومما ورد عن أمير المؤمنين سلام الله عليه أنه قال: «أفضل العبادة عفة البطن والفرج».

وأخيرًا دعونا نتناول العوامل التي تسهم في تقويتها وترسيخها فهي تكون في غض البصر وحفظ الفرج وذلك في قوله عز من قائل: ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [النور 30].

وكذلك يكون في عدم إبداء الزينة وارتداء الحجاب بشكل كامل وعدم ضرب الأرجل لافتان الجنس الآخر والزواج المبكر.

نسأل الباري جل شأنه أن يحرسنا ويحرسكم بعينه التي لا تنام ويجعلنا وإياكم من الذين يسمعون القول فيتبعون أحسنه.

نائب رئيس مجلس إدارة جمعية العوامية الخيرية للخدمات الاجتماعية