آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 2:34 ص

الأمن المفقود

عبد الرزاق الكوي

منذ خلقت البشرية وعبر تاريخها الطويل عرفت صورا متعددة من الحروب والنزاعات، تطورت الأساليب والأدوات والتفكير من ناحية نوعية أسلحة المعركة ومحيط المعركة الجغرافي، على صعيد الأسلحة تطورت من سيوف ورماح وخيول حتى وصل تطور الإنسان إلى صنع أسلحة قادرة على إنهاء الحياة البشرية جمعاء بما اقترفت يداه من التفنن في الصناعات القتالية من صواريخ عابرة للقارات والسفن الحربية حاملة للطائرات والطائرات التي هي أسرع من الصوت والطائرات بدون طيار وغيرها من الأسلحة المحرمة دوليا من كيميائية وعنقودية وغيرها من المسميات. كانت قديما الحروب على مساحة جغرافية محدودة الآن على ساحة جغرافية تغطي الأرض والبحر والفضاء تحت أنظار ومراقبة الأقمار الصناعية التي ترصد كل شاردة وواردة.

لم يكتفي الإنسان بهذا الفعل المنافي للروح الإنسانية وسلامتها فلا زال يبتكر من الأسلحة الجرثومية العابرة للقارات وما تخفيه مراكز البحوث من أجل إنتاج المزيد والأكثر فتكا على قدم وساق.

ومع كل ذلك لم يكتفي صناع الدمار بما وصلوا له من كل تلك الأسلحة المحرمة النابعة من نفوس شريرة، استخدم العقل من أجل خلق واقع أكثر مأساوية استخدم فيها التطور التكنولوجي وثورة المعلومات المتسارعة مع ظهور الإنترنت سهل لتلك العقول المريضة مواصلة طريق الكراهية والعداء، يستخدم هذا التطور في حروب ظاهرية وخفية في تكريس العنف والحروب تحت مسميات ناعمة وهي لا تقل خطرا وفتكا عن الحروب القتالية، تدمر اقتصادات وتنتهك الأعراف والقوانين والمواثيق الدولية، تتحكم في مصير وسياسات ليس أفرادا بل حربا دولية شرسة من الصعب السيطرة عليها والتحكم فيها، بضغطة زر أن تشل منظومة عسكرية وتقطع الاتصالات وتعطل المستشفيات والكهرباء عن دولة بأكملها، وسرقة المعلومات السرية ونشر الفيروسات الإلكترونية التي تخترق شبكة الحاسب الآلي وتنتشر بسرعة بين الأجهزة بكل سرعة وأكثر فتكا وتدميرا مما يولد من خسائر بالمليارات وتعطل فيها المواصلات وخطوط الطيران وغيرها من الخدمات المهمة والحساسة.

حروب اليوم وزيادة على الترسانات الحربية حروب أخرى مستقبلية تعتمد على برمجيات وشفرات وفيروسات مبرمجة حجم ذاكرتها صغير ومفعوله في غاية الخطورة قادر على تأثير يغير مسيرة الحياة والعقل البشري يعمل على المزيد من هذه الأفعال الإجرامية في ظل ضعف وعي وقلة الثقافة الأمنية سواء على نطاق دولي او فردي في مواكبة التطور السريع لمثل تلك الأعمال، ليس كثير ان تسمى مثل هذه الحرب بالحرب الخبيثة والشريرة والاجرامية تعمل في السر ويصعب في كثير من الأحيان الوصول للفاعل الحقيقي لهذا الإجرام.

فكما كانت الحروب العسكرية والجماعات الإرهابية تخدم مصالح قوى عالمية وشركات عابرة للقارات وأصحاب نفوذ سياسي واقتصادي، الحروب القادمة تخدم مثل تلك الأجندات، وتساعد على الهيمنة على اقتصادات العالم والتأثير على توجهات سياسته واستقلاليته، بخيارات أكثر تعدد وأسهل وصولا لمبتغاه وتكلفته تعتبر لا تقارن بالحروب العسكرية والقتال في ميادين القتال، المتضرر الأكبر العالم بشكل عام والدول الفقيرة والشعوب المستضعفة والعالم الثالث الذي يرزح تحت الضربات المتوالية والظالمة من تلك القوى الشريرة، فالعالم اليوم من فرد وجماعات ومؤسسات ودول الجميع يشتكي من هذا الغزو الهمجي ويعيش العالم في قلق وتوتر ينتظر متى تنتهك خصوصياته وتعرض مصالحه للخطر في ظل غموض وسرية وإجرام العابثين.

اليوم نار الفتنة وابتكار أساليب جديدة للنصب والاحتيال تصيب الجميع وتخلق حروب مضادة الكل يستعد لمزيد من القوة والسيطرة، في عالم ينهك من الجوع والفقر والأوبئة يأتي هذا الإجرام ويكلف في كل غزوة من غزواته مليارات الدولارات وتعمل الدول إلى صرف مليارات الدولارات من أجل حماية أمنها الإلكتروني أو إصلاح أي عطب أو تعطيل فيروسات.

اليوم تشكل مثل هذه الحروب عددا لا يحصى من التهديدات للسلم العالمي والأمن الشخصي يكفي البشرية ما تعانيه من البلاء والفتن والهم المعيشي والبحث عن حياة كريمة، أن الخسائر من مثل هذا الإجرام كفيلا بتطوير مستوى المعيشي للبشرية المستضعفة وخلق واقع أفضل من الأمن المفقود.