يمكث بالأرض
العلم بالشيء ليس كالعمل به، والعمل به ليس كالتعود والاعتياد بإلزام النفس وإجبارها عليه، والاعتياد ليس كالطبع الغالب على النفس.
أن يكون الشعور بالناس وتحسس ما يشعرون به ومداراتهم هو الباعث على السلوك الأخلاقي فهذه غايةٌ فوق العمل بالوصايا والمواعظ لذاتها، هناك نوعٌ من الناس وكأنهم مفطورون على حب الناس ومراعاتهم لا تفضلاً منهم على أحد وإنما كأنهم يرون الناس جزءً لا يتجزء من ذواتهم دون تكلف أو إرغام للنفس وإنما طبيعة جبلت عليها نفوسهم لا يستطيعون عنها انفكاكا.
لا أتكلم هنا عن لا إرادة أو جبر بل عن احتراف في قراءة مشاعر الناس وفهمها عن قرب بحيث يصعب تجاهلها فيكون التصرف بناءً عليها.
أن تكون مرهف القلب نعمة لا تقدر بثمن وأن يضاف إلى هذا القلب قدرة عن التعبير فقد اكتنزت جوهرتين قل أن يجتمعا لأحد.
كان المرحوم السعيد «أبو حمدي» رحمه الله بواسع رحمته من هؤلاء الذين جبلوا على مراعاة الناس وتحسس آمالهم وآلامهم وجمع رهافة القلب وقدرة وبلاغة يعبر بها عن ما يفيض به قلبه، فمنذ التقيته قبل عشر سنوات لمست به التواضع والبساطة والبسمة التي لا تبقي لفارق العمر أي معنى، كانت تجربتي معه بعد أن نشرت بعض أولى القصائد التي كانت بدايتي في في طريق الشعر حتى قصدني في أول مصادفة جمعتنا في إحدى مساجد البلدة وبادرني بالسؤال والمدح والتشجيع.
لم يكتفِ بذلك بل استمر بإرسال الملاحظات والتعليقات على ما أكتب بل وتجشم تصحيح ما يلحظ من أخطاء دون طلب وينبهني عليها بعد أن يقرأها مباشرة حتى تعودت إرسال ما أكتبه من أبيات إليه قبل نشره لأستفيد من تدقيقه وملاحظاته قبل النشر.
لم تكن ردوده تخلو من لطافة وظرافة حتى إنه أحياناً يرد على البيت الشعري بآخر مقابل له، كان كثير السؤال والعتب إن طالت فترات التوقف عن الكتابة، حتى إني أرتب الأعذار في ذهني فور أن أراه إن كان ذلك في فترة انقطاع لعلمي بما سيسائلني عنه، كان شغوفاً بالأدب مهتما بالتواصل والتشجيع لكل من بدأ يسلك هذا الطريق وكأنه يحمل هم الأدب والشعر على كاهله.
في ظني ذكر المرء الفعلي هو ما زرعه ليبقى في قلوب من عاشوا حوله حتى بعد رحيله يبقى ليمكث بالأرض، فرحم الله الفقيد السعيد بواسع رحمته وجزاه الله عني وعن غيري كل خير.