آخر تحديث: 31 / 10 / 2024م - 8:43 ص

”أوميكرون ابن كورونا“ وتسمية فيروسات الوباء ومتغيراتها

الدكتور أحمد فتح الله *

مرَّ اسم وباء كورونا والفيروس المسبب له بعدة مراحل حتى استقر على كوفيد-19 «Covid-19». وتسمية الفيروسات منوطة إلى لجنة رسمية متخصصة «اللجنة الدولية لتصنيف الفيروسات» تسعى إلى أن يفهم الناس الفيروس أو المرض أولًا، مع الأمل أن يساعد الاسم الباحثين على التركيز في مكافحة الفيروس، إلا أن بعض التسميات قد تَخلق مشاكل ليست في الحسبان، أو ردود أفعال لم تكن في بال مطلق «أو مطلقي» الاسم. ولهذا السبب قامت المنظمة بإصدار إرشادات لتسمية أسماء الفيروسات الجديدة عن طريق مكتبها في جنيف في «8 - 5 - 2015»: دعت فيه العلماء والسلطات الوطنية ووسائل الإعلام إلى اتباع أفضل الممارسات في تسمية الأمراض المعدية البشرية الجديدة لتقليل الآثار السلبية غير الضرورية على الدول والاقتصادات والناس. ووزع هذا النص الذي جاء فيه: لقد رأينا بعض أسماء الأمراض تثير رد فعل عنيفًا ضد أعضاء مجتمعات دينية أو عرقية معينة، وتخلق حواجز غير مبررة للسفر والتجارة والتجارة، وتؤدي إلى ذبح حيوانات الطعام دون داع. يمكن أن يكون لذلك عواقب وخيمة على حياة الناس وسبل عيشهم" [1] . باختصار، مهنية التسمية، وما يمر به الاسم من مراحل ومراقبة مؤشرات تدل على أن منظمة الصحة العالمية تعتبر إسم المرض أو الوباء، ليس دالة لغوية أو مصطلحًا علميَّا جافًا بل له دلالات إنسانية، نفسية واجتماعية، وهذا من جوهر اللغة التي يسعى علم اللغة، بما فيه علم اللغة التطبيقي، لإبرازه للناس.

الضيف الجديد[2] 

ومؤخرًا،  أعلن الدكتور دي أوليفيرا وأعضاء فريقه في كلية نيلسون مانديلا للطب في ديربان، جنوب إفريقيا عن المتغير الجديد لـ Covid-19. ودخل مصطلح جديد في قاموس الوباء: ”أوميكرون“ Omicron [3] ، وخفت الآمال في ترويض الفيروس التاجي «corona virus» فتراجعت الأسواق العالمية يوم الجمعة. تمت تسمية هذا المتغير أوميكرون على اسم الحرف الخامس عشر من الأبجدية اليونانية. يقول الخبراء إن نظام التسمية الذي أعلنت عنه منظمة الصحة العالمية «World Health Organization، اختصارًا WHO» في مايو 2021م يجعل التواصل العام حول المتغيرات أسهل وأقل إرباكًا.

التسمية ونظامها الجديد عند منظمة الصحة العالمية

طوال فترة الجائحة دأبت تعلن منظمة الصحة العالمية بنشر ملصقات بسيطة وسهلة اللغة للإعلان عن متغيرات SARS-CoV-2 ”ذات الاهتمام“ و”ذات القلق“. وفي 31 مايو 2021 «198 كلمة». حددت منظمة الصحة العالمية «في 198 كلمة». تسميات بسيطة وسهلة النطق والتذكر للمتغيرات الرئيسية لـ SARS-CoV-2، الفيروس المسبب لـ COVID-19، باستخدام أحرف الأبجدية اليونانية. تم اختيار هذه الملصقات بعد استشارة واسعة ومراجعة للعديد من أنظمة التسمية المحتملة. شكلت منظمة الصحة العالمية مجموعة من الخبراء من الشركاء من جميع أنحاء العالم للقيام بذلك، بما في ذلك الخبراء الذين هم جزء من أنظمة التسمية الحالية، وخبراء التصنيف والفيروسات والباحثين والسلطات الوطنية. ستقوم منظمة الصحة العالمية بتعيين تسميات لتلك المتغيرات التي تم تصنيفها على أنها متغيرات ذات أهمية أو متغيرات مثيرة للقلق من قبل منظمة الصحة العالمية. سيتم نشرها على موقع منظمة الصحة العالمية. لا تحل هذه الملصقات محل الأسماء العلمية الحالية «على سبيل المثال تلك التي تم تعيينها بواسطة GISAID وNextstrain وPango»، والتي تنقل معلومات علمية مهمة وسيستمر استخدامها في البحث.

على الرغم من أن هذه الأسماء العلمية لها مزاياها، إلا أنه قد يكون من الصعب قولها واسترجاعها، كما أنها عرضة للتقارير الخاطئة. نتيجة لذلك، غالبًا ما يلجأ الأشخاص إلى استدعاء المتغيرات حسب الأماكن التي يتم اكتشافها فيها، وهو وصم وتمييز. لتجنب ذلك وتبسيط الاتصالات العامة، تشجع منظمة الصحة العالمية السلطات الوطنية ووسائل الإعلام وغيرها على اعتماد هذه العلامات الجديدة باختصار، إذًا، مهنية التسمية، وما يمر به الاسم من مراحل ومراقبة مؤشرات تدل على أن منظمة الصحة العالمية تعتبر إسم المرض، أو الوباء، ليس دالة لغوية أو مصطلحًا علميَّا جافًا بل له دلالات إنسانية، نفسية واجتماعية، وهذا من جوهر اللغة التي يسعى علم اللغة، بما فيه علم اللغة التطبيقي، لإبرازه للناس[4] .

المتغير الذي ظهر في الهند، على سبيل المثال، غير معروف على نطاق واسع باسم B.1.617.2. بدلًا من ذلك، يُعرف باسم ”دلتا“ «Delta»، وهو الحرف الرابع من الأبجدية اليونانية. وقد تم تخطي حرفين قبل Omicron مباشرة - ”Nu“ و”Xi“.  استبعاد ”Nu“، حسب المتحدث باسم المنظمة، لأنه من السهل جدًا الخلط بينه وبين ”New“ «جديد»، وأمَّا   ”Xi“ فلأنه اسم عائلة شائع. ”مما أدى إلى تكهنات حول ما إذا كان تم تجنب“ Xi ”احترامًا للرئيس الصيني، Xi Jinping. وأضاف“ أن أفضل ممارسات الوكالة لتسمية الأمراض تقترح تجنب ”التسبب في الإساءة إلى أي مجموعة ثقافية أو اجتماعية أو وطنية أو إقليمية أو مهنية أو عرقية“.

يوجد الآن سبعة ”متغيرات ذات أهمية“ «variants of interest» أو ”متغيرات مثيرة للقلق“ «variants of concern» ولكل منها حرف يوناني، وفقًا لصفحة التتبع «tracking page» على موقع منظمة الصحة العالمية «م. ص. ع: WHO»، التي تتبع متغيرات SARS-CoV-2. وحسب هذه الصفحة أيضًا، أن جميع الفيروسات، بما في ذلك SARS-CoV-2، الفيروس المسبب لـ COVID-19، تتغير بمرور الوقت. معظم التغييرات لها تأثير ضئيل أو معدوم على خصائص الفيروس. ومع ذلك، قد تؤثر بعض التغييرات على خصائص الفيروس، مثل مدى سهولة انتشاره، أو شدة المرض المصاحبة، أو أداء اللقاحات، أو الأدوية العلاجية، أو أدوات التشخيص، أو غير ذلك من تدابير الصحة العامة والتدابير الاجتماعية.

وتقوم منظمة الصحة العالمية، بالتعاون مع الشركاء وشبكات الخبراء والسلطات الوطنية والمؤسسات والباحثين برصد وتقييم تطور فيروس SARS-CoV-2 منذ يناير 2020. خلال أواخر عام 2020، ظهور متغيرات شكلت خطرًا متزايدًا على الصحة العامة العالمية دفعت إلى توصيف ”متغيرات محددة ذات أهمية“ «VOIs» و”متغيرات مثيرة للاهتمام“ «VOCs»، من أجل إعطاء الأولوية للرصد والبحث العالميين، وفي النهاية إعلام الاستجابة المستمرة لوباء COVID-19.

تقوم منظمة الصحة العالمية وشبكات الخبراء الدولية التابعة لها برصد التغييرات التي تطرأ على الفيروس بحيث إذا تم تحديد بدائل كبيرة للأحماض الأمينية، فيمكننا إبلاغ البلدان والجمهور بأي تغييرات قد تكون ضرورية للاستجابة للمتغير ومنع انتشاره. على الصعيد العالمي، تم إنشاء أنظمة ويتم تقويتها للكشف عن ”إشارات“ من VOIs المحتملة أو المركبات العضوية المتطايرة وتقييمها على أساس المخاطر التي تشكلها الصحة العامة العالمية. قد تختار السلطات الوطنية تعيين متغيرات أخرى ذات اهتمام / قلق محلي[5] .

بعض المتغيرات الأخرى ذات الأحرف اليونانية لا تصل إلى مستويات هذه التصنيفات. بعض المتغيرات الأكثر شهرة، مثل ”دلتا“ «Delta»، ارتفعت إلى مستوى مثير للقلق. تم تسمية الآخرين في هذه الفئة باسم Alpha وBeta وGamma. تم تسمية الآخرين الذين ظهروا وكانوا متغيرات مثيرة للاهتمام Lambda وMu. تم استخدام الأحرف اليونانية الأخرى للمتغيرات التي لا تلبي هذه العتبات ولكن كان NU وXi هما الوحيدان اللذان تم تخطيهما[6] .

منظمة الصحة العالمية روجت لنظام التسمية على أنه بسيط ويمكن الوصول إليه، على عكس الأسماء العلمية للمتغيرات، والتي ”قد يكون من الصعب قولها واسترجاعها، وتكون عرضة للتقرير الخاطئ“، على حد قولها. ويتفق معها في هذا بعض الباحثين. قالت الدكتورة أنجيلا راسموسن، عالمة الفيروسات بجامعة ساسكاتشوان، إنها أجرت العديد من المقابلات مع المراسلين هذا العام، قبل الإعلان عن نظام التسمية اليونانية، وتعثرت من خلال التفسيرات المربكة حول المتغيرات «B.1.1.7» و«B.1.351» [7] ، وهما يعرفان باسم ”ألفا“ «Alpha»، التي ظهرت في المملكة المتحدة، و”بيتا“ «Beta»، التي ظهرت في جنوب إفريقيا. وقالت: ”عندما تستخدم“ حساءًا أبجديًا ”«alphabetical soup» من التسميات المختلفة“، فإن الحديث عن أي أمر مرهقًا حقًا ”….“ وفي نهاية المطاف ينتشر بين الناس: المتغير البريطاني ”«British variant» و“ المتغير الجنوب أفريقي ”«South-African variant»“.

هذا هو السبب الكبير الآخر الذي جعل منظمة الصحة العالمية تنتقل إلى نظام التسمية اليوناني. توضح الدكتورة راسموسن: ”اصطلاح التسمية الأقدم كان غير عادل للأشخاص الذين ظهر الفيروس بينهم، ووصفت الوكالة ممارسة وصف المتغيرات حسب الأماكن التي تم اكتشافها بأنها“ وصمة العار والتمييز ”، وتضيف:“ إن ممارسة تسمية الفيروسات للمناطق كانت مضللة تاريخيًا. ”الإيبولا“ «Ebola»، على سبيل المثال، سُمي بهذا الاسم نسبةً إلى نهر بعيد تمامًا عن مكان ظهور الفيروس. تتذكر الدكتورة راسموسن الناس في بداية الوباء قالوا: ”لقد أطلقنا اسم“ الإنفلونزا الإسبانية ”«Spanish Flu»، فلماذا لا نطلق عليه فيروس“ وُوهان التاجي ”«Wuhan Corona»؟“ الإنفلونزا الإسبانية ”لم تأت من إسبانيا، ولا نعرف من أين ظهرت، ولكن هناك احتمال كبير جدًا أنها ظهرت من الولايات المتحدة.“ لذا بدأت منظمة الصحة العالمية في تسمية المتغيرات حسب الأحرف اليونانية لتجنب الارتباك العام ووصمة العار [8] [9] . والجدير بالذكر أن منظمة الصحة العالمية تحث السلطات الوطنية ووسائل الإعلام على اعتماد الأسماء الجديدة، فهي لا تحل محل الأسماء التقنية التي تنقل معلومات مهمة للعلماء وسيستمر استخدامها في الأبحاث.

[1]  انظر: كورونا البعد اللغوي، الدكتور أحمد فتح الله، 1 يناير 2021م. و”الاسم والمصطلح“ مقال رقم 4 في سلسلة جهينة بعنوان كورونا_البعد اللغوي على الرابط:

https://juhaina.in/?act=artc&id=65056

[2]  انظر:

https://www.nytimes.com/2021/11/27/world/africa/omicron-covid-greek-alphabet.html

[3]  حسب منظمة الصحة العالمية، هو ”Variant of Concern“ «متغير يثير القلق»، ويغذي الخوف العالمي من زيادة فيروسات أخرى. لا يعرف العلماء بعد مدى خطورة متغير Omicron الجديد، لكن طفراته العديدة أطلقت الإنذارات، مما قلل من الآمال في وضع الوباء «كورونا» وباءً في الماضي، أي لم ينتهي بعد. انظر الرابط: https://www.nytimes.com/2021/11/26/world/europe/coronavirus-omicron-variant.html

[4]  تجد التسميات الجديدة «في صفحة التتبع» على هذا الرابط:

https://www.who.int/news/item/31-05-2021-who-announce-simple-easy-to-say-labels-for-sars-cov-2-variants-of-interest-and - الاهتمام

[5]  انظر الرابط التالي:

https://www.who.int/en/activities/tracking-SARS-CoV-2-variants/

[6]  انظر الرابط التالي

https://www.nytimes.com/interactive/2021/health/coronavirus-variant-tracker.html

[7]  B.1,1.7 وB.1,351 هما متغيران من SARS-CoV-2. ظهرت السلالات الجينية لـ SARS-CoV-2 وانتشرت في جميع أنحاء العالم منذ بداية جائحة COVID-19. تتم مراقبة هذه السلالات الجينية في الولايات المتحدة بشكل روتيني من خلال التحقيقات الوبائية والمراقبة القائمة على التسلسل الجيني للفيروس والدراسات المختبرية. أضافت الحكومة الأمريكية عن طريق SARS-CoV-2 Interagency Group، اختصارًا SIG» فيئات جديدة من متغيرات SARS-CoV-2 المصنفة على أنها متغيرات يتم مراقبتها. تشتمل هذه الفئة على متغيرات مع بدائل مثيرة للقلق، بما في ذلك متغيرات الاهتمام المحددة مسبقًا «VOIs» أو متغيرات الاهتمام «VOCs»، والتي لم يعد يتم اكتشافها أو تداولها عند مستويات منخفضة جدًا في الولايات المتحدة، وعلى هذا النحو، لا تشكل خطر كبير أو وشيك على الصحة العامة في الولايات المتحدة. ويحدد مخطط تصنيف SIG Variant أربع فئات من متغيرات SARS-CoV-2، يمكن الاطلاع عليها على هذا الرابط:

https://www.cdc.gov/coronavirus/2019-ncov/variants/variant-info.html

[8]  انظر مقال ”وصمة كوفيد وفيروس الكراهية“ للكاتب على الرابط التالي:

https://juhaina.in/?act=artc&id=77462

[9]  لقد تواردت الأنباء العالمية أن سلطات جنوب إفريقيا تشتكي من أنّها ”تُعاقَب“ وتُعامَل على نحو غير عادل بسبب إبلاغها عن اكتشاف ”أوميكرون“ «المتحوّرة الجديدة لفيروس كورونا» إذ أصبح مواطنوها فجأة أشخاصًا غير مرغوب بهم في كلّ أنحاء العالم.

وعبّرت الحكومة الجنوب إفريقيّة عن غضبها من الوصمة التي عانتها في الأيام الماضية من جرّاء الأنباء حول ”أوميكرون“ التي لم يرد أحد سماعها. وفي المقابل، أشادت الولايات المتحدة الأمريكية بجنوب إفريقيا لسرعة تعرّفها على المتحوّرة الجديدة لفيروس كورونا ”أوميكرون“، ولمشاركتها هذه المعلومات مع العالم، موجّهةً بذلك انتقادا مبطنا للصين. لخلفية هذا التسيس للوباء، انظر ”كورونا: البعد اللغوي“ للكاتب «مذكور في هامش رقم [1]  أعلاه».
تاروت - القطيف