آخر تحديث: 20 / 4 / 2024م - 9:52 ص

تعدد مناخات النصوص في ديوان ”ما أعتقته يد البنفسج“ بين أصالة اللغة وفنيتها وصخب المعنى

فريد عبد الله النمر *

ديوان : ما أعتقته يد البنفسج

المؤلف: الشاعر حسين علي آل عمار

الدار اإنتشار العربي / مطبوعات النادي الأدبي بالحدود الشمالية

السنة 2020م

الطبعة الأولى

عدد الصفحات: 235

عدد النصوص: 50 نصا

مستهل:

ليس الشعر مجرد متعة روحية تخلقها الصدفة وتسقي حقولها الفطرة والموهبة وتصقل ذاتها اللغة إنما هو مزيج من مناخات متحركة وعوالم ممتدة ومفاهيم تطفو وترسو وبيئة تستمد منها فاعلية النص تتداخل فيما بينها لصنع الحدث الجمالي واللفظي المشكل لفضاء لنص في رؤيته الشعرية الخالصة المعنى والمبني في ذروتهما

ومن هنا أجد علينا قراءة هذا الديوان المتشظي بهواجس المعترك الوجودي من مناخاته المتعددة المتكأة على فلسفة الشاعر وتماهيه بين الأنا والهم التي تشيء بها النصوص الخمسين بعيدا عن كاريزما الشاعر في محطات أخرى مختلفة عن بيئته النصية في هذه المجموعة ليكون لنا السبر في هذا النصوص المحلقة والمتباينة في لغتها وصخب معناها من تعدد وجوهها متجردين عن سيرة الشاعر الحافلة بالمنجز الجمالي العريض

فالشاعر الشاب الجميل حسين آل عمار ومنذ لحظاته الشعرية الأولى ونعومة أظافره الهادءة في تشكلها نما على شجرة الكائن الشعري طائر محلق من أعلى حضوة الوعي بالقصيدة وعبر نهم الطالب القارئ والمطلع والمتابع لما تصدره الساحة الشعرية من قصائد صوتية مقروءة ومسموعة خلقت لديه ملكة هذه الموهبة المتقدة بكل مفاصل حياتها وهو المتتبع الذكي لكل تفاعلات النصوص المختلفة واستقراء الجمهور الشعري له الذي يستنطق النصوص المتمايزة في نضجها وحسها ولغتها وأيدلوجيتها وتوجيه بوصلة الإهتمام لأجودها والأكثر ابداعا بينها

لذا أركز هنا علينا أن نقرأ هذا الديوان بكونه وكيانه ومرحلته الكتابية كلغة مغلفة بالجمال الشعري بعيدا عن الأيدلوجيا التي قد تقودنا لمتاهة لا نريدها فيه عتبة.

ما أعتقته يد البنفسج من هذه العتبة النصية المتشحة كعنوان رئيس لهذه المجموعة نجد أن الشاعر يحيلنا لتحرر ما أعتقته هذه اليد القانية حد الحمرة الداكنة الملونة لروح الشعرية الهائلة البنفسجية التدفق في تصويرها شيء كتخثر الدم والأقحوان والورد والموت والجرح والألم لتأتي سيميائة العنوان متوحدة في توزيع اللون على صفحة البياض المتحررة من الخوف أو الموت أو الهلع أو الحب أو أي شيء يصيبنا بالنزعة نحو هذا التحرر والإنعتاق منه كعتبة مخاتلة تدخلنا الجمال والإدراك بجواز هذه الأنا الشاعرة المنعتقة من يد البنفسج شقوتها ليفتح لنا الإهداء للوطن وترابه الذي عجن من صلصال والديه وكل من تربى فوق أراضيه فرضية هذا الإنعتاق الرحب الذي لغته تشيء بهذا الإنغماس التصالحي مع البنفسج

فلسفة النص بين الذهنية والشعرية التصويرية:

ترتكز فلسفة اللغة في ذاتها على مدى التفكير البشري الباني للرموز اللغوية التي يستطيع العقل تحويلها وتشكيلها وتداولها في النص الشعري على هيئة رغبة جامحة نحو التمثل كشاهد لغوي مرتبط بنواة الفكرة المحفزة وصيرورة الحس المضيء لها وهذا التحول الذهني الحسي يبني وجدانه النصي على مفارقة التشكيل والإحالة والتركيب التصويري المعتمد على بناء رمزيته وتحويلها لنص حسي يرتقي من التأليف الذهني الفاقع إلى التشكيل الحسي في شاعرية الجملة التي تبوح ولا تقول رغم تشابههما الفاعل في عملية انضاج القصيدة ولأن الشعر يعبر عن كيانه الكوني المتمثل في لغتة المرنة المنسابة تحد هذه الشاعرية من سلطة الفكرة الذهنية التي تذوب وتكاد تتلاشي كلما ارتفعت أشرعة الفعل الشعري وهبت رياح اللغة في جمالها وكما يقول إليوت في كتابه العقل الحديث ”ما تعنيه القصيدة هي ما تعنيه للآخرين وما تعنيه للمؤلف بالمقدار ذاته كأن يصبح الشاعر قارئا لعمله ناسيا ما اشعل هذا المعنى في أصله الغائب ربما“

لنجد الشاعر في نصه الأول بنفسجة أولى يستوقف الناس البسطاء ببساطة اللغة وهو يقول: مهلا خذوني أيها البسطاء /الصدر قفر والخطى عمياء /شعري امتداد الحزن حين يحثني/للسير نحو الخير وهو شقاء

إلى أن يقول عن الشعر: أشياؤنا ضاقت بما نحدو به كم نستميت وتسلم الأشياء

الدمع والدن الذي نحتاجه أبناؤه الفقراء والشعراء

وهذا التعبير يبسط لنا تماهي الذهني والحسي في خطاب النص بين مبتداه ووسطه ونهايته

لنجد هذا المنحى يستمر في نص أوراق من ذاكرة المنفى حين يقول

اشاطر الناس شعرا لست أكتبه الا ليشرح ما في القلب من ألم

من هنا تظهر التجربة لدي أشبه بصراع يشذب الشعر عنفوانه في تصويرالمعاني عبر دلالاته المكتنزة بالصراع المتخفي والمضطرب التي يمارس عليها الشاعر سلطة التجريب ويغذيه من حيوية الشاعر الملهم عبر مجسات الإحساس العالي الذي يوجهنا لإنطباعي أولي خلاف ذلك المستتر عبر طموحه الثر في وئد الخطيئة باضفاء علامات الفرح والسلام تارة وشهوانية العواطف نحو مواطن اللغة بصورها الرومانسية أو الرؤيوية المعرفة للخير والشر والقبح والجمال في جوانب أخرى ليقول في نصه وصايا لا تموت:

أشعل ثقابك أطفئ كل من عبروا كم في الممرات تبكي شخصها الصور

صغار دمعك عقوا جفن حاضرهم وغادروا العين ظلما بعدما كبروا

شدوا ظفائرحلم مر متكئا على القلوب غداة استنزف الكدر

ثم يفصح عن هذا المستتر خلف النص بعد قوله: للحب مواله للفجر ناعية ليقول: واقطع دروبك فردا واحدا رجلا كل المعزين غابوا حينما حضروا

تجليات حوارات النصوص وصوت الأنا الداخلي

للوهلة الأولى أيضا مرة تلو المرة يبوصلنا شاعر البنفسج من خارج النص لصوته الخاص المتاخم للقصيدة محاورا إيانا برغبته القصوى أن تكون قرائتنا للقصيدة قراءة واحدة تتسق في اشتغالها على الرصد الشعري بيد أن النصوص جلها تفاجؤنا بدواخلها الكثيرة ببعض انفلاتها في ديناميكية تشعر المثقف الشعري باقلاب المعنى وكأن النصوص مفترقة لفرقتين بعضها مرتبط بالمكان والزمان معا وبعضها مرتبط بالأنا المنشغلة بوجودها الخاص المتشعب بين أغناني الموت والرحيل والمنافي وبين أغاني البقاء والحب والوطن في تجرد عن الذات وأشيائها الموحشة للأنا المغنية لتعبر هذه الصراعات بسلام على قطار الأماني نحو ضفافها الهادئة ليحل صوت الخارج منتشيا منتصرا للمخيلة بدلا من صوت الداخل الذي يقدم صوته المحتذم كعدسة ضوء متسعة ومحايدة لتوقعنا النصوص بدهشتها عبرهذا الإختباء الذي لا يكاد يترائى إلا عبر هاجسه اللفظي المتلون ببنفسجية الشعور المتحور

فمثلا في قصيدة بارود على زناد البندقية يترقق النص بشهقة السنديان ليبث الشاعر أنفاس الهواء للفح ما يطفو من الأوراق فوق حفيفه المسكون بالوجع وأي وجع بل وجع مخيف

ليقول: هناك حيث استحم الغرباء بالمنفى المطل على ضفاف الحلم مازالت براثنهم تلوك دم الرصيف

وهذا السرد الذي يشاغلنا به الشاعر من تورط ظل المدينة بالألى عبروا والبندقية التي اختنقت تحت مداسه

ينفجر هنا بكشف صارخ وهو يقول: وأنت وحدك في المدى عراب ذاك الحلم

وأنا المسافر عن هدير الحلم المتبعثر كالوجع يحمل جثته فوقه ليبقى القلب مربوطا بجسد المكان القطيف حيث الإنتماء الذي يتغنى به ابن بيئته المسالمة

لذا كثير من هذه النصوص يحتاج المتلقي التدخل من الشاعر أن يتصل بصوته في تقطيع هذا الحوارعبر جمله الشعرية لأزالة الوحشية عنها المضادة لطبيعة دلالتها الخارجية المؤدية للتوهم أو التأثير المضاد الذي يطرئ بين الحين والآخرفيما وراء الكلمات كمعادل موضوعي يتسق مع بنيته الخارجية الفاعلة المؤنسنة لطبيعتها المحبة والمنسجمة مع دورة الشعر في حديق الجمال الإسلوبي وهذا ما نجده في فوضى لا تشبه الحلم ونص عن شاعر يشبهني ونص رئة وذخر اختناق

هنا في خطيئة الكافيين يصور لنا أن التقاتل والصراع هو ديدن الحياة ضد عدمية الأشياء حتى الصغيرة منها ليقول مفتتحا للنص: شبح المسافة في الغياب يقاتل نمشي معا حيث الأنام هياكل

هو هكذا الموت العقيم إذا نوى فرضا فأشباه الأناث نوافل ما الحب الا الموت إعجازه يمضي وأصناف الرجال أرامل

إلى أن يقول: وجهت وجها فيه ما نضح الأسى إلا ودمعاتي عليه قوافل

ومن هنا نجد غلبة صوت الأنا الداخي المبحرة في الحزن كثيمة والمتجه نحو الشعر تتجرد من انفعلاتها ومآزقها لشواغلها الشعرية متحدثة عن الألم والحزن والقتل والخيبة عبر وصاياها الخاصة كصور غير متسقة ترسلها المخيلة لأستعادة الإنسان نحو ابتكار وجوده ونبذ العدمية عنه والغربة واللاوجود واللاقيمة

منخات النصوص المتعددة

في الواقع أن حركة الإيقاع النصي هي أيضا محفز اسلوبي في نصوص المجموعة وهو يساعد على أن نرصد منخات النصوص المتعددة كقوة تكوينية لبيئة النص وتلازم الكتابة فيها لما يفرده الإيقاع من تماسات تحيل في مفهومها الأوسع على فرد التركيب الشعري المشتمل على الإيحاء ولإشارة بتستر يسبق الكتابة النصية كتشكل واعي للنص نتفهم من حركته الإشتغال والإبتكار للغة الفكرة ويكمن هذا ببساطة في تحليل التعبير الشعري من خطاباته المتفرقة بين ما هو وجودي مدرك للأحداث وبين ما هو يتحدث عن مثول المعنى على شكل حقائق تجيد مواصلة المشاكسة لرفض ما يتعداه النص للموضوع الحسي في التمثيلات الذهنية المباشرة أحيانا والموحية في كثير من الأحيان فمثلا نجد الشاعر في نصه على جناح خيبة يستدعي الإيقاع ليعلن قصيدته المستترة خلف وجع هذه الخيبة وهو يقول مبتدء:

للشوق نصل لامع ومدمى مازال يقطر في الأضالع سما

هنا سنتوقف قليلا عند هذا المناخ الشعري للمتنبي العظيم وهو يقول

ما الشوق مقتنعا من بذا الكمد إلا أكون بلا قلب ولا كبد

هكذا يرى المتنبي الشوق من كمده ليكون جدثا بلا قلب ولا كبد وهكذا يتأسى به آل عمار ليكون أوقع في الموت بالجمع بين النصل والسم فيما يمكن أن يفعله الشوق بالمغرمين حيث تتجلى هذه المناخات من خلال خلق الجملة الشعرية المتصاعدة في لغتها المتفاعلة المتنبية أحيانا والدرويشية وغيرها

وهنا في نص لكنها الذاكرة يقول: ملاذك فلًّ وما للخيوط إذا ما استهل بها الريح أن تستستقل بنسج المكان كما يرغب الوقت أن ينسكب

وبعد استرسال سردي سلاما على الحب حين يموت يموت يموت ولا تقتنيه الندامة لا تنزفه

وفي نصه ”غيرة الضوء“ تجد مناخ القصيدة يتجلى متوازيا ومصاحبا لمناخات العصر الشعري الجديد كدرويش وفاروق جويدة وهو يقول:

مكرورة أضواء سهرتنا ونحن العالقون على جدار الصمت نشهق بالغبار

إلى أن يقول: لا شيء يمسك بالجريدة كوبي اليومي يأكله الصدى مذ قهوتين وست كعكات ونار

ثم تتوالد الأسئلة في رحم النص

ماذا سيكبر في ثغور الجلنار

من ذا سيبعد سلسبيل الموت عن عطش الصغار

ويقول دويش في نصه لا تعتذر عما فعلت

انزل هنا والآن عن كتفيك قبرك واعط عمرك فرصة أخرى لترميم الحكاية ليس كل الحب موتا ليست الأرض اغترابا مزمنا

إلى أن يقول: فاخرج من أناك إلى سواك

وفي حضرة الغياب

عائدون عائدون بلا نشيد علي وبلا راية جسور كمتسللين من ثفب جدار

مسجى أمامي بلا ضجيج هادئا هادئا ولا أرى لك في ما حولك

فمن هذا الرصد الذي نعي نعي ما تتملكه روح الشاعر ال عمار من روح ذائبة في ينبوع الشعر أن هذا التنقل الرشيق العالي الفنية كلغة مدركة لموطن الصعود الثري الذي يعيده الصوت وتتخذه موسيقى النص ملاذا لمادتها الخاصة التي تتغذى على حلمها هو مما تستدعيه المخيلة من وظيفتها الواقعية حال القراءة واللاواقعية حال الكتابة الشعرية في فاعلية تواصلية بأصالة اللغة وموسيقاها والإحساس الذي تخلفه مديات القراءة الواعية كمدرج لدهشة قادمة متشحة بالصدى كاقتراح للقصيدة وأسئلتها التي تهرب نحو قصديتها المبدعة والمذهلة إن جاز لي التعبير..وهذا قد يقرأه المتلقي الكريم كالتباس قرائي ولكن سرعان ما سيتلاشى هذا الإلتباس كلما اقتربنا من مناخات النصوص أكثر وأكثر لنعرف أن الشاعرلديه حساسية المفردة الشعرية في أصالتها المنبعية لا المصب ولديه من ثقافة النص ما يجسر به علاقة المجاز الحديث في لغة النصية بتراثها اللغوي أسلوبا وبناء ومعنى والذي يكشف لنا تفوق النص الذي يضمن له الوجاهة الإبداعية واختلافه عمن سواه بامتياز وهذا ما يبرر نزعة التأويل لديه عبر مناخاته الكتابية المتعددة والشواهد عنا تتعدد بتعدد النصوص في هذه المجموعة

أصالة اللغة وصخب المعنى

في هذه المجموعة البنفسجية العتق نشعرمن خلال الفعل النصي ميل كثير للمجاز البلاغي الذي يسيطر على الصورة في مجازيته مؤسسا لذائقة مفهومية عريضة يكتنفها صخب الجملة واللفظ وإشاراته المفتتحة وعتباته الفاقعة في دمج لغوي بين حقيقة الكلمة ومجازية تركيبها ليحاول الشاعر هنا من تحويل الذاكرة إلى كينونة جمالية تشع بالمعاني الحية وهذا الاستعمال يعد نموذجا يدور حول وظيفتي اللغة في أدائها المعرفي وتفاعلها الدلالي في خطابيتها سواء على مستوى المفردة أو الجملة الشعرية المنتهية بشكلها المجازي الذي يستقبله المتلقي فيما بعد كتأويل مضمر للذات الشاعرة كتوجيه يبعث على كلية النص في ذروته بأكثر تأثير لفعله الشعري ومتطلب اللغة النحوية في أصالتها الملفتة ولعلنا هنا نأخذ مثالا لأصالة اللغة من نص فوضى لا تشبه الحلم لنرى هذا السكب اللغوي الدقيق وهو يقول:

لك الثأر من قلب إذا دقّ يحزن ولي بقايا التبر في الوقت معدن

لنا ظلنا الكونيّ ما شع كوكب على سرمد الآلام والشمس تثخن

ولعل ما يستوقفنا هنا رغم هذا الإكتناز اللغوي والفني والأسلوبي هو اللفظ الصاخب عندما يفتتح النص هاكذا.. ”لك الثأر“ وكما في نصوص أخرى أن ترى اللفظ الصاخب متمازجا مع لفظ أكثر إشراقا هكالحب والشوق والسكينة والإطمئنان فلو تجاوزنا القراءة العامة هنا لهذه المفردات الصاخبة المقصودة لإيجابية المعنى حينها سنبقى عالقين في التفكير الشعري الذي تخلفه هذه المفردات على خبرات المتلقي المدرب الدلالية المقتربة من الغرائبية اللفظية ولعل نص ”ما ورثه نرسيس“ أكثر صخبا بهذه المفردات ”كالجثمان - اشتعال الريح - تذبح العطر - الدم في حد المسامير - إنه الجمر“ وهناك دم لا ينام - ابنة الثكل - والموت الكثير الذي في النصوص

ولأن الشعر كائن حي وتحول مطرد في نموه المفهومي لا يلبث إلا أن يجيب عن وجدانه التراجيدي الخاص وقاموس التواصل المطلق وأولوياته الفنية لخضوعه لدراية الشاعر وحدسه في اطلاق نفثات روحه وجوهر الشي الذي يشعله بلغته والتي نحن واثقون أنها تصب في حديقة الشعر المبهرة لتذكرنا أن الكتابة المطمئنة أن تلقي ذاتك الشاعرة في أعتى بروج التحدي وأقسى منارات المغامرة ولا يكفي ذلك بل يستجيب الشاعر لهذا النزف المجرد في كل مفاصله كطبيعة للمخيال الرمزي الذي يعزز به صوته الطفل وروحه المتقدة بكبرياء القصيدة وعنفوانها الجميل

امتداد الرغبة نحو مصافحة الحياة

قراءة هذا الديوان للحظة الأولى تكشف لنا عن عمق الإنفتاح الذي يؤصله الشاعر باتجاه تناقضات الحياة المثيرة كسير حثيث نحو استقلالية الزمكان في روحه الشاعرة التي تتسع باتساع اللغة المحصنة بالحب والجمال كمرحلة تفترض القطيعة مع كل ما هو معنف في ذاكرة اللغة الشعرية وكل ما هو قبيح في يحتم عليه الدخول القسري للقصيدة من أول خيبة قلب موصلا هذه الرغبة لمصافحة ذاتية ترسم معالم الحياة كمشهد سينمائي يطلقه التعبير الشعري عبر فلسفة الموت أحيانا والتوازن المهم الذي يطمئن هذا المعترك الداخلي بغريزة الشاعر الفنان الذي لا يرضيه واقعه الأرضي ولا يستهويه الفضاء السماوي في آن واحد ففي نصه ”الشعر وشيء من ذاتي“ يقول: حد اتساع الشعر للشعراء وزعت صوتي بامتداد غنائي

ويقول: مازلت أولد كلما حرف هوى فتناسلت من أحرفي أشيائي

ظن يخادعني بأني متخم بالنور والديجور ظل إزائي

وأسير والأيام تدرك وجهتي حسبي أسير على الطريق النائي

حولي مخاض الحس طال أنينه والشعر هذا الشعر سر بلائي

وهنا تتضح سيرة الشاعر النصية عبر الفن التخيلي الذاتي والتي تعده السرديات الحديثة هو مزاوجة بين اللغة وثقافة الحياة القوية الحضور والحقيقة استطاع آل عمار في هذه المجموعة بعث الرؤية من رماد الألم والخيبة والدم كعنصر قد يؤدي للسلبية في النص ولكنه أجاد الإستفادة منها باستنهاض المخزون اللغوي في مصافحة ومصالحة حياتية أعشبت نصوصا صاخبة وهائلة في معناها ومبناها الذي راهن عليه رغم كل كلمات الغيظ المنشرة بين النصوص وهذا يكشف عن نوعية الشاعر النبوئي ان صح التعبير والذي يطعم الخطيئة روحه لينتصر لكيان وبياض القصيدة في ترتيب العالم المرتبك بخارطة القهر والفقر والحرب والألم من خلال حدة الحاضر المعاش وتبنيه حراسة الشعر في موقفه الوارف عبرخبرة الشاعر وثقافة النص المشتعلة لديه.

شاعر سعودي من العوامية