ِتَضَاؤُلُ مَهَارَاتُ الاتصال الاجتماعي والاسري عند جيلِ الحداثة
يتسابقُ عالمُ اليومِ إلى تقديمِ المزيد تلو المزيد من طرزٍ مبهرةٍ من أجهزةِ الجوالِ، وإضافة وظائف مبتكرة وجديدة فيه، ويتفننون ويتسابقون في تقديم أفضل ما لديهم في هذا المجال.
وكل ذلك في حد ذاته جيد ويسير في الطريق الصحيح ومشروع لما سوف يوفرهُ ويقدمهُ من خدماتٍ فيها اختزال للوقت وتقليل للجهد وتوفير للمال، لكن لا بد من التنبه في الوقت نفسهِ من ضرورة إعمال ومصاحبة ذلك التقدم التقني المتسارع بطرح برامج توعوية ونفسية وتربوية تكون بخط موازٍ مواءمة مع هذا التوسع في استخدام مثل هذه الأجهزة الذكية.
ويكون عملية استهداف هذه البرامج والخطط جميع من يستخدم هذه الأجهزة ويتعامل معها فمع مرور الوقت ستتسع الرقعة على الراقع لا محالة وتزداد المشكلة ويتسع مداها، وتخرج الأمور عن السيطرة؛ وتتمثل هذه الخطورة في إخراج جيل لا يتقن شيئًا مِنْ مهارات الاتصال ويكون سلبيًا في محيطه الذي يعيش فيه، لا يؤثر ولا يتأثر بمن حوله ويتحول حاله تدريجيًا ويحمل ما يشبه صفات وعلامات الطيف التوحدي، وهذا ما تم لمسه وملاحظته عند أبناء الكثير من الأسر مع مرور الوقت سواء كان على مستوى صغار السن من اليافعين وحتى الكبار منهم.
ومما يخشى منه أيضا، هو أن نصل إلى مستوى معين من الأجيال يتحرك عن بعد مجردًا من جميع المقومات الاساسية التي تعينه على ممارسة حياته الاعتيادية بدون الاستعانة بهذه الاجهزة. فلك أن تتخيل انقطاع النت في منزل أو مؤسسة فإن عجلة الحياة عندهم ستشل وتصبح أشبه بدار تضم ذوي الاحتياجات الخاصة - شفاهم الله مما هم فيه - الذين لا يقوون على القيام بما يحتاجونه إلا بالمعونة والمساعدة؛ لذا ينبغي ومن الضروري التنبه لذلك والسعي لعمل التدابير الوقائية اللازمة حتى لا يصل بنا الحال للوصول لهذا المستوى الذي سيؤول إليه الحال لا محالة في يوم من الأيام حتى لدرجة أن البعض منهم لا يستطيع أن يمسك قلمًا، ويكتب حرفًا أو يقوم بعملية حسابية بسيطة.
نهمس في أذن دعاة التحول الرقمي الشامل بأن دعوتكم مشروعة وناهضة لكن أجعلوا محددات ومدى معين واحتياطات تضمن البدائل في حالة عدم وجود هذه الاجهزة وتعثرها.
ولنأخذ دليلاً عمليًا حدث وما زال مستمرًا،
فعلى الرغم مما بذلته وزارة التعليم مشكورة وبدعم سخي من حكومة المملكة وقيادتها الرشيدة؛ من توفير وسائل بديلة خلال الفترة السابقة وصرف الأموال الطائلة في استمرار التعليم عن بعد. إلا أن ذلك كله لم يغن عن ضرورة التواصل الحضوري بشكل متزامن مع الطلاب، وما قرار عودة الطلاب التدريجي إلا لتحقيق هذا الهدف ولما يتركه هذا التواصل من بعد نفسي على الطالب لدرجة أن الكثير منهم يرجو والده لمرافقته للمدرسة ليطلع ويقابل من فيها من مدرسين وطلاب، حتى أننا نجد مدى الشوق وتعطش هؤلاء الطلاب إلى الدراسة الحضورية لما يتركه عليهم هذا الحضور من بعد تربوي ونمو نفسي علاوة على جدواه المعرفية، وهذا ما لمسته واحسستُ بهِ من بعضِ طلابِ الصف الأول المتوسط الذين لم تسمحْ لهم الأنظمةُ بالحضورِ أسوةً بمن أكمل السن النظامية لأخذ هذه التطعيمات، فالطالب في هذا السن عنده رغبة حثيثة وملحة وفطرية في هذه المرحلة العمرية في أن يتصل بزملاء وأقران يتفاعل معهم ويتعلم منهم ليساعده ذلك في اتمام نموه النفسي ونضجه العقلي وتنمية مهاراته الحركية وتفعيل وسائل الاتصال لديهِ.