آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 3:01 م

حياتُنا بين الواقعِ والنقيض!

جهاد هاشم الهاشم

التناقضُ في حقيقة الأمر ماهو إلا عبارة عن سلوكٍ يعيش بداخلنا كأفراد. وهذا النوع من الأفعال قد يُحدث خللًا واضحًا للاستقرار الذاتي؛ لذلك يحرص الإنسان الراشد للوصول إلى التوازن والتسامح الداخلي، ومن أجل هذا يبحث الشخص عن معادلة تُمكنه من التوافق بين مبادئه وقِيمه من جهة، وبين موروثه الاجتماعي والتي تتمثل بالعادات والتقاليد من جهة أخرى. وهذا سيؤدي بنا في نهاية المطاف إلى نتائج محمودة وهي العيش بهدوء وسلام بشكلٍ دائمٍ ومستقر.

فلو نظرنا قليلا بعين مِلؤها بصيرةً وحيادًا لما هو حاصل بيننا من واقع حقيقي ومُعاش؛ لرأينا الكثير من تصرفاتنا تَحمل صفة التناقض، ولذلك نحن نعيش صراعًا مريرًا نستشعره في ذواتنا بشكل خاص. وأيضا نراه في جانب آخر في علاقاتنا مع الآخرين في محيطنا المحلي، فالبَشر بطبيعة حالهم لاغنى لهم عن الحياة دون علاقات اجتماعية، فجميع بني البشر مجبولون على تكوين علاقات فيما بينهم، وتبادل المصالح المُلحة والطبيعية كالتزاوج وتكوين الصداقات، وتبادل المنافع التجارية وغيرها من هذه الأمور التي تفرض نفسها على كل المجتمعات على هذه المعمورة.

ومن خلال تلك الارتباطات الحتمية بين الأفراد نشاهد ونسمع ما يلوح في الأفق ويطفو على السطح من خلال الاحتكاك المباشر لبعضنا البعض. ومن هنا تبرز في الصورة عدة أشياء لاتتفق وطبيعة العقل والمنطق من «تناقضات» ترفضها كل الأعراف الإنسانية. ولا شك كلما كانت الشواهد من واقعنا القريب؛ كلما كانت تلك الشواهد أكثر منطقيةً واستيعابا لدى القارئ العزيز. فهناك من حولنا شخوصٌ متغلغل بداخلهم العديد من السلوكيات المتناقضة بشكل لا مثيل لها! والمشكلة ليست هنا فقط، إنما المعضلة الحقيقية أن هؤلاء يُظهرون عكس ما يبطنون تماما! فتراهم يتلونون حسب مايُمليه عليهم شيطانهم وشرور أنفسهم ضاربين بكل معاني القيم العالية والفضائل السامية عرض الحائط! بل العجيب في الأمر أنهم يتصرفون ويعملون بعيدا عن تأنيب الضمير ولا يخافون الله في ما يرتكبونه من مآسي وأفعال مؤذية ومؤلمة لمشاعر من حولهم سواء صديق أو أخ أو قريب... إلخ. وهذا ربما يصل بهم لدرجة النفاق والعياذ بالله.

فمن خلال ما نعايشه في خضم أيامنا الدنيوية، وما يجري فيها من مواقف وأحداث نُفاجأ - مع الأسف الشديد - بأمور يَسخطها الخالق - تبارك وتعالى - كالغيبة والنميمة وقذف الأعراض، والأتهامات الباطلة التي ما أنزل الله بها من سلطان. ناهيك عن الظلم وسلب الحقوق وظن السوء وخدش المشاعر بكلمات جارحة قاسية مؤلمة لا يُحترم فيها الآخرون على الإطلاق، متناسين كلام البارىء - جل شأنه - حين قال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ سورة الحجرات الآية «12».

إن هؤلاء الأشخاص يعلمون يقينا أن التعدي على كرامة الآخرين أمرٌ مُخزٍ للغاية، وهذا النوع من الخطايا يبغضه رب العزة والجلال وأن الخطأ في حق المؤمن ذنبٌ لايغفره المولى - تبارك وتعالى - باعتباره هو العدل بذاته - جل شأنه -. لذلك يعتبر التعدي على حقوق العباد من كبائر السيئات، وقد رُوي عن رسول الله - ﷺ -: ”سباب المؤمن فسق، وقتاله كفر، وأكل لحمه معصية الله، وحرمة ماله كحرمة دمه“. والأكثر عجبا أن نفرًا «ليس بالقليل» من الذين تصدر منهم تلك المنفرات هم ممن يرتدون لباس التدين والالتزام! أي أنهم في ظاهرهم متدينون ولكن ماتكنه قلوبهم فهو نقيض مايدّعون. والأمثلة على تلك التجاوزات مما نشاهده بأم العين ومما لايتفق مع كينونة الإنسان المسلم من الإلتواء والتغافل على تعاليم كلام الله، والجرأة التي فاقت كل الحدود في السلوكيات؛ أصبحت وكأنها جزءًا لا يتجزأ من حركتنا اليومية، والتي لا يمكن أن نحصيها في هذه السطور. وأعتقد جازما أن القارىء الموقر يُدرك مانرمي إليه في نسيج كلماتنا هذه، والحُر تكفيه الإشارة! فلا ينبغي الخوض في تفاصيل وسلوكيات يمارسها البعض على شهود الأعيان، بل على مسمعٍ ومرأى أنظار الجميع. من هنا ماذا عسانا أن نقولَ لأحبتنا وأبناء مجتمعنا؟! فهذا كله يتناقض وعقيدتنا الغرّاء، ومُخالف للتعاليم السامية التي جاء بها الدستور الإلهي.

فنحن نعيش في زمن كثرت فيه نوازع الشر وبواعث الفسق والفساد التى تحيط بنا من كل جانب من جوانب الحياة، وإن لم نكن على قدر عالٍ من المسؤولية والأمانة، وعلى علم بدواعي الانحراف وبواعثه وعلى هدى، والأخذ بأسباب العلاج وطرق الحماية؛ فإننا سنُصبح فى مجتمع يغلب عليه الضياع والشقاء وبعدها سنكون مدانين في محكمةٍ لن نستطيعَ الفرار منها على الإطلاق. يقول تعالى: ﴿يَٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلْإِنسِ إِنِ ٱسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُواْ مِنْ أَقْطَارِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ فَٱنفُذُواْ ۚ لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَٰنٍۢ. سورة الرحمن الآية «33».

إخوتي جميعا.. الغفلة كبيرة جاثمة على صدورنا وذنوبنا عظيمة، وحسابنا عسير، وأعمارنا قصيرة، والموت يلاحقنا، والقبر حقيقة، والأهوال آتية ومخيفة، والبدن ضعيف، والحيلة عاجزة! وهناك أسئلة تطرح ذاتها مثل: متى سنستفيق من سباتنا العميق؟! متى ننتفض من ذلك الأسْر الشيطاني المقيت؟! متى نحرر إرادتنا من عبودية الأهواء الزائفة، والميول المُخجِلة قبل أن يحل غضب الله؟! وبعدها سيكون الأمر مقضيا مصداقا لقوله تعالى: ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ - إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ «سورة الشعراء الآيتان 87 - 88».

نسأل العلي القدير أن يحسن خواتمنا، وأن يحمينا من شيطان أنفسنا إنه نعم المولى والقادر عليه.