أحمد الجشي بعيدا عن الضوء قريبا من الظل
أن تستمر علاقتك بإنسان على مدى ست سنوات، وفجأة يقول لك بهمسة وادعة لقبول ما أقدم عليه ”ابري ذمتي“!. تتنابك مشاعر لا حدّ لها، وتتلاحق في البال جمل وكلمات لتلملم صور عدة لترسم معالم المشهد.
بينما كنا ليلة البارحة نحتفي بتحول لجنة التنمية الاجتماعية الى جمعية التنمية الاجتماعية بالقطيف ومعرفة آفاق ذلك التحول المفرح، والذي سوف يغير من مكانتها ويضاعف من قوتها على مستوى المشاريع المجتمعية، وبعد أن أوضح كل من أمين اللجنة الأستاذ أمين الزهيري ومشرف اللجان الأهلية من قبل مركز الخدمة الاجتماعية السيد هاني العبكري، في ردهم على بعض استفسارات الحاضرين، وحين جاء اعلان انتخاب أعضاء جدد، وقف كامل المجلس الحالي أمام المسرح بكل عزم وثبات، وبأنهم سوف يكملون المسيرة، دعا مدير الحفل الأستاذ محمد الخنيزي من يريد أن ينظم الى المجلس الجديد فليتفضل، تقدم رجلان وامرأتان، فأصبح العدد 15، زيادة على المجلس السابق المكون من 11 شخص، والمسموح بتشكيل أعلى سقف للمجلس 13 عضوا، وبين لحظة ترقب والمايكرفون بيد رئيس اللجنة السابق، أ. صلاح الدعلوج، وهو يقول ”كلكم خير وبركة، من يريد الانسحاب، أم نجري عملية الانتخاب“ وقبل عملية التصويت بلحظات، رفع شخص من بين الواقفين يده معلنا الانسحاب من ترشيح نفسه مجددا تاركا منصة المسرح متواريا خلف المقاعد الخلفية، بعد ذلك وزّعت أوراق الاقتراع دون تعليق من أحد!
بالنسبة لي كان المشهد مفاجئا وغير متوقعٍ ولم يدر بخلدي أن أرى هذا المشهد خصوصا قبل ساعة بأن هذا الشخص المحترم كان ممتلئ حماسة ومبتهجا لتغير مسار اللجنة من واقع متعارف عليه سابقا الى تحول كبير سوف نشهده مستقبلا، وكم سررت بأحاديثه الجانبية وهو يخبرني عن أسماء الأعضاء الجدد محلقا حول ألقاب بعض العوائل القطيفية ومدى القرابة والمصاهرة بين بعضها البعض.
كل هذا الفرح الذي أبصرته في القاعة الفخمة لم يكتمل، حينها طلبت من السيد صلاح بأن يعطيني ”المايك“، قلت مخاطبا الجميع بكلمات عفو الخاطر، مبتدئا بالترحيب والثناء على كل الوجوه التي تسعى للخير وخدمة المجتمع عبر منشأة عمرها 60 عاما، أوضحت حالي لحظتئذ: أيها الاخوة كم يعتريني الآن تباينا في داخلي، وحسب الأغنية العراقية ”نصي ثلج ونصي نار“ متأرجحا بين الفرح وحالة حزن داهمتني فجأة، فرح بكل ما شهدناها هذه الليلة الا مشهد الانسحاب الأخير ضايقني، بل سحب من الفرح مساحة وأسبغها بلون الحزن عندي، وان شئتم وخزني منظر الانسحاب كأنه لطمة على الوجه، وطالبت أمام الجميع بأن يتراجع هذا الشخص المحترم ويعدل عن انسحابه ورجوته بكلمات وديه أن يأتي أمام المنصة ليعاد انتخابه مجددا لكنه أصر على موقفه معللا بأنه يريد ترك الفرصة لغيره، حينها أخذ مني "المايك“ صلاح، قائلا: ”نقدر قرار أبو ناصر، دعونا نكمل عملية الانتخاب ادراكا للوقت“.
وحين تمت عملية التصويت خرجت من قاعة مسرح المرحوم عباس الشماسي التابع للجنة، بشيء من الدهشة في كل شيء. عواطفي متباينة ومشاعري متذبذبة، أقلب المواقف وأنبش الذاكرة حول شخص تفانى قدر المستطاع في خدمة المجتمع بل وقفت
وخاطبته ثانية على انفراد وجها لوجه.
ياعزيزي يا أحمد الجشي لماذا فعلت هذا؟، لماذا أقدمت على هذه الخطوة؟ في هذه الفترة بالذات، وخصوصا في عملية هذا التحول الجميل، كرر ذات العبارة، ”يجب أن أترك الفرصة للأخوة والأخوات، 6 سنوات بالنسبة لي كافية واذا دخلت للمجلس الجديد ب 4 سنوات قادمة سيكون العمل مرهقا كنت اود ولكن...!“
قلت له لا بأس اعرف مسبقا بأنك سوف تتولى منصب أمين الصندوق بدلا من ادارة نادي الفنون، بمعنى أنك ستكون قريب من أعضاء المجلس، لكن باعلانك الانسحاب المفاجئ وامام الجميع في وقت غير مناسب، سوف تترك فراغا ليس هذا وقته، ابقى شهورا أو سنة كاملة لأن الوجهان الكريمان الأخت ازدهار أبو الليرات والأخ رياض الخنيزي اللذان أسندت لهما ادارة دفة النادي، هما بحاجة لنقل كل معرفتك وخبراتك في ادارة عجلة نادي الفنون، فأنت الأعرف بالواضح والمستخبي
على قولة اخوانا المصريين، قال لي وهو ممتنا وممسكا بيدي: ”يا أبا محمد الذي أحضرني للدخول في مجلس اللجنة هو المرحوم المهندس عباس الشماسي، فرحبت بدعوته لأني احترم وأجل هذا الانسان لأبعد حد، ومنه كنت استمد طاقة ايجابية“ ثم استرسل وقد أخرج صورة من جواله مديلة بالعبارة التالية "اليوم يصادف أول يوم استلام المجلس، الاداراة الجديدة في الدورة السابقة
17 نوفمبر 2015 " قلت له ماشاء الله ست سنوات مرت
وكان حفل اللجنة في صالة الغانم للمناسبات، وعرفتني حينئذ بشخصكم الكريم.
يا أحمد الجشي عندي كلمة حق يجب أن تقال ربما
المقربون منا يدركونها، أحب أن أوضحها أو أعيد استحضارها امام الملأ. يا أحمد الجشي لقد استلمت ادارة نادي الفنون بعد فترة فراغ وخصوصا بعد انتهاء فترة الفنان حسين حبيل، تقدمت بحماس مغيرا حالة الركود بل السبات الطويل التي عاشته جماعة الخط العربي، شددت على أيديهم وأرجعتهم شيئا فشيئا لحضن النادي، وبالفعل عادوا، وأشعلت حماسا جماعتي التصوير وكذا التشكيل بسعي نحو الأفضل، ومما يحسب لك بأنك أسست جماعات جديدة، وهي جماعة، التصميم والعمارة، والكاريكاتير، والأفلام، ثلاث جماعات أضافت قوة لمكانة نادي الفنون، دورك حيوي في استناهض همم أعضاء وروؤساء جماعات النادي.
لكن الشيء الذي غير في مسار نادي الفنون الحدث الذي كبل أيدي الجميع وهو فترة الانتقال القسري من مبنى مركز الخدمة الاجتماعية الواسع الى مبنى اللجنة المحدود الامكانيات، وبرغم ذلك حاولت أن تذلل صعوبات ذلك التحول المفاجئ، ومن حسن حظنا بأن النوايا حسنة عند الجميع تكللت كل الجهود النبيلة باستئجار صالة جديدة التي تكفلت اللجنة بتجهيزها، وكان ورائها رجال مخلصون من داخل المجلس ومن خارجه، أنت يا أبا ناصر واحد منهم، كنت المتابع، والساعي لاستكمالها بالصورة المرتقبة وكل الأفكار المخطط لها مسبقا، الى ان ظهرت صالة نموذجية يشار لها بالبنان على مستوى المنطقة الشرقية، وبكل فخر
أطلقنا عليها، ”صالة علوي الخباز للفنون“.
يا أبا ناصر اقلب صفحات 6 أعوام مليئة بالتحولات مشوبة باختلاف وجهات النظر من أجل المصلحة العامة، وكل ما مر على نادي الفنون من عقبات كنت تتحمل عبئها بل كنت في بعض المرات ”في وجه المدفع“، تحملت وتصبرت وقاسيت وعانيت، وتسامحت،
كم أُكبر فيك تلك المواقف الشجاعة، وأصفها بالبطولية فلك منا جزيل الشكر على ما قدمت من تضحيات.
لن أبوحك سرا يا أبا ناصر بأن العمل التطوعي منهك وأنت العارف أكثر مني، متعب، مضني، ومشكلتنا بأن أي شخص في مكان المسؤولية لا يملأ عيوننا الا أن نراه
”يحرق دمه حرقا“ نطالبه بأن يكون متواجدا في كل صغيرة وكبيرة، ولا نلتمس العذر لظرفه ولا نتسامح عن أي تأخير أو تقصير يبدر منه!، مشكلتنا يا أبا ناصر بأننا دائما نريد أن يكون المسؤول حاضرا في جميع الأوقات ويقف على مسافة واحدة من الجميع وكأنه ملك للجميع ليل نهار، هذا قدر المتصدي للعمل التطوعي.
نعم ليلة البارحة شكوت لي يا أبا ناصر بأن أُسرتك تعبت من كثرة خروجك عنهم وزيادة اهتمامك باداراة النادي سعيا للتطوير، بل طالبوك بالتنحي حفاظا على صحتك، ثمة متاعب جسديه تعاني منها، برغم ذلك كنت سائرا للخدمة المجتمعية، ويبدو بأن قرار انسحابك الذي فاجأ الجميع، ومن غير اشارة مسبقة! تكمن ورائها امور أنت أعرف بها منا، فكل له متاعب قد تغيب عن البال.
يا أحمد الجشي لك كامل الاختيار فيما أقدمت عليه، ونقدر قرارك، ونثمن كل خطواتك الخيرة الواضحة آثارها والملموسة واقعا عمليا نشهده كل يوم في نادي الفنون.
أيها الباسم الضاحك لقد وعدتني بأنك بالفعل تخلصت من ضغوطات نادي الفنون، لكنك أكدت لي بمثال واضح للجميع وهو مكانة السيد علوي الخباز بانه كان يوما رئيس للجنة وحين ترك منصبه للآخرين، لم يتخلّ عن عمل الخير، بل بقي داعما باستمرار ويقف بجانب النادي بكل ما أوتي من قوة، اذاً سوف تكون تمشي على هديه، متواجدا في خدمة الجميع بتقديم الرأي ونقل الخبرة واسداء النصح، هكذا العشم فيك يا أبان اصر، وهذه طوايا نفسك المحبة للارض والناس.
عزيزي يا أبا ناصر باسمي وباسم جميع أعضاء نادي الفنون وكل أعضاء جمعية التنمية الاجتماعية بالقطيف، لك منا كامل المودة وجل الأحترام لشخصكم الكريم على مابذلته طوال ستة اعوام، دمت سالما يا أبا ناصر.
حقيقة أفعالك ايجابية وسعيك مشكور ومقدر، هذا ما لمسناه عن قرب وقد لا يبدو كثير منه واضح للعيان، أوجز كل ماقمت به في العبارة التالية: كنت بعيدا عن الضوء قريبا من الظل، وهذا من شيم المخلصين.