آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 1:42 م

أيها العرب... حافظوا على دولكم

محمد المحفوظ *

لو تأملنا في مآل الأحداث والتطورات التي تجري في المنطقة العربية على أكثر من صعيد، لوصلنا إلى قناعة عميقة مفادها: أن هذه الأحداث تتجه صوب إسقاط مفهوم وواقع الدولة في المنطقة العربية، لصالح إمارات أو ولايات لا تتعدى إدارة للأوضاع المحلية، بحيث تتحول كل مدينة في المنطقة العربية إلى ولاية قائمة بذاتها، لها علمها الخاص وجيشها وحكومتها.

مما يعني الترحم على مرحلة سايكس بيكو، والدخول في مرحلة تجزئة المجزء وتأسيس حكومات وأنظمة سياسية على مقاس الانتماءات الدينية والمذهبية والقبلية المنتشرة في ربوع العالم العربي.

وتباشير هذه المرحلة بدأت في الرقة ودير الزور والموصل والعمل المتواصل لتعميم هذه النماذج الكارثية على المنطقة العربية.

من هنا فإن المعطيات السياسية القائمة اليوم في المنطقة العربية، تتجه صوب [اللادولة] وهي حالة إذا تعممت في العالم العربي، فإن هذا يعني دخول العرب جميعا في متاهة طويلة، ستمارس فيها كل أشكال الفوضى والقتل على الهوية وضياع الحقوق بكل مستوياتها.

وعليه فإننا ندرك أخطاء وخطايا الكثير من الدول في المنطقة العربية، ونعتبر أن بعض خيارات وسياسات هذه الدول هي التي أوصلت الأمور إلى ما وصلت إليه.

ولكن البديل الذي تتجه إليه الأحداث والتطورات أكثر خطرا وكارثية على الواقع العربي من وجود دول تحافظ في المجمل على النظام العام وتحول دون الاقتتال الأهلي.

فالدول مهما كانت إرتكاباتها وأخطاؤها وسيئاتها، إلا أنها أفضل بكثير من مرحلة [اللادولة] حيث تعم الفوضى وتسري كل أشكال النهب والتعدي على الحقوق.

من هنا فإننا نرى أن الراهن العربي في أغلب دوله ومناطقه يتجه صوب: إما مرحلة بقاء الدولة القائمة بكل أخطاءها وسيئاتها أو مرحلة [اللادولة] حيث تتشكل ولايات وإدارات محلية على مقاس الانتماءات المذهبية والقبلية والدينية.

ومن المؤكد أن تعميم نموذج [اللادولة] يساوي تغييب دائم للعرب على كل المستويات الإقليمية والدولية، وانتصار تاريخي للمشروع الصهيوني في المنطقة ودخول العرب في مرحلة من المطالبة بإصلاح دولهم وخياراتها السياسية والاقتصادية إلى مرحلة بقاء الدول ووظائفها الأولية.

وإزاء هذه التطورات الخطيرة التي تشهدها العديد من الدول، حيث تحولت من دولة واحدة إلى مجموعة دويلات متحاربة مع بعضها البعض بدون أي أفق للحل والمصالحة من الضروري التأكيد على النقاط التالية:

1 إننا ندرك أهمية وجود مؤسسة الدولة كناظم أساسي لكل الأمم والشعوب ونعتبر أن غياب مؤسسة الدولة، يعني على المستوى العملي الوقوع في براثن الفوضى والاقتتال الداخلي.

ولكن صمود هذه الدولة أمام تطورات المرحلة وتداعياتها الخطيرة، يتطلب من القائمين على أمر الدول في كل المنطقة العربية إلى إصلاح وتطوير بعض أمورها، حتى لا يكون الطريق الوحيد أمام بعض العرب [وهو طريق غير مبرر على كل حال] هو إسقاط الدولة وبناء أوضاع سياسية واجتماعية على مقاس المذهب والقبائل والعشائر.

ومن الضروري في هذا السياق أن تدرك جميع النخب والفعاليات، أنه مهما كان سوء الدولة وخياراتها، إلا أنها أفضل من مرحلة تشظي الدولة وإنهاء وجودها كناظم ومحافظ على المصالح العامة.

ولو تأملنا في أحوال الناس والشعوب الذين عاشوا مرحلة غياب الدولة وانخرطوا في مرحلة الفوضى وتعدد الرايات والمجاميع المسلحة التي تدير مدنا وأحياءا لاتضحت بعمق حقيقة مانصبوا إليه.. فلو كان الخيار دولة جائرة وبها عيوب الدنيا إلا أنها تحافظ على الحدود الدنيا للنظام العام ومصالح الناس، وبين تغييب الدولة وكل مكون أو تعبير يدير نفسه بنفسه، فإننا لا شك نفضل الخيار الأول، لأنه في الحدود الدنيا يحول دون الفوضى وانتشارها.

من هنا فإننا ندعو كل القوى الأهلية التي تحارب حكوماتها وأنظمتها السياسية إلى ضرورة الالتفات إلى طبيعة المخطط الذي يستهدف المنطقة، حيث تدمير الجيوش العربية وتخريب البنية التحتية للدول والمجتمعات وتغذية مستمرة للإحن المذهبية والقبلية والجهوية،

مما يفضي على المستوى العملي إلى انهيار الدولة في المنطقة العربية.

فنحن مع إصلاح الأوضاع السياسية في كل دول المنطقة العربية، ولكننا لسنا مع تدمير الدول وتخريب عناصر القوة والاستقرار فيها وفي مجتمعاتنا. لذلك ثمة ضرورة للحفاظ على الدولة لوقف الانحدار وللحؤول دون التشظي الدائم في المنطقة العربية.

2 بعيدا عن أحن التاريخ وصعوبات الراهن ومأزقه والتباساته، ثمة حاجة تاريخية في المنطقة العربية والإسلامية لصياغة تفاهم جديد بين السنة والشيعة في المنطقة العربية، يستهدف هذا التفاهم إنهاء حالة الاحتراب القائمة في أكثر من بلد عربي، وإرساء قواعد وأسس ومبادئ لعلاقة تفاهم جديدة تجنب المنطقة بأسرها احتمالات الحروب المذهبية المتنقلة والتي لا رابح منها سوى أعداء الأمة المتربصين براهنها ومستقبلها.

لأن بقاء حالة الانقسام الحاد والاحتراب المستمر، سيجعل المنطقة بأسرها مكشوفة أمنيا وسياسيا، وهذا الانكشاف لن يخدم إلا أعداء الأمة.

وندرك سلفا أن كل طرف يحمل الطرف الآخر أخطاء وخطايا الراهن، ولكن من الضروري أن يدرك الجميع: أن السنة والشيعة في المنطقة العربية محكومون بالتفاهم مهما كانت الصعوبات والمشاكل. لأن الخيار الآخر المتاح إذا غابت حقائق التفاهم هو انقسام المنطقة أفقيا وعموديا ودخولها في مرحلة انعدام الوزن من جراء حالة التوترات المذهبية المفتوحة على كل الاحتمالات.

فكما تمكن الأوروبيون من تجنيب منطقتهم ويلات الحروب باتفاق وتفاهم [وستفاليا] نحن اليوم أحوج ما نكون إلى تفاهم سني شيعي يجنب المنطقة بأسرها ويلات الحروب المذهبية.

3 ويبقى الخيار الأسلم للجميع، هو خيار المصالحة بين الدولة والمجتمع في المنطقة العربية، بحيث تنصت الدولة إلى حاجات ومتطلبات المجتمع وتعمل على تلبيتها وفق إمكاناتها وقدراتها.

وهذا الخيار بمتوالياته السياسية والاجتماعية، سيجنب المنطقة الكثير من المخاطر، كما أنه سيجدد في شرعية النظام السياسي ويوسع من قاعدته الاجتماعية وسيفك وينفس حالة الاحتقان التي قد تكون سائدة في بعض دوائر المجتمع..

ومادمنا نتحدث عن مصالحة، فإننا نتحدث عن ضرورة التسوية السياسية بين الطرفين، بحيث يتم التنازل المتبادل، من أجل إخراج المنطقة من احتمالات السقوط في مهاوي العنف الأعمى.. وخلاصة القول: أن المنطقة العربية لعوامل ذاتية وأخرى دولية، تتعرض إلى مشروع خطير يستهدف تفجير المجتمعات العربية من الداخل، وإسقاط دولها وتأسيس أمارات ودويلات غير قابلة للحياة إلا بتعميم لغة القتل وحقائق العنف العبثي. وإن ملامح هذا المشروع بدأت بالبروز في العراق وسوريا، لذلك ثمة حاجة عربية عميقة لليقظة والوقوف في وجه هذا المخطط والمشروع الذي لو تحقق سيجعل الجميع يترحم على لحظة سايكس بيكو. لذلك فإن دعوتنا الصريحة للعرب جميعا أن حافظوا على دولكم الوطنية، وامنعوا إسقاطها وانهيارها.. فمهما كانت سيئات هذه الدول، إلا أنها أفضل من لحظات اللادولة حيث يتم تعميم الفوضى والقتل.

كاتب وباحث سعودي «سيهات».