آخر تحديث: 28 / 3 / 2024م - 7:46 م

النفاق العالمي

عبد الرزاق الكوي

سمع العالم كثيرا شعار النظام العالمي الجديد ملأ الأرجاء وتغنى به العالم وكتب عنه الكثير في مقالات كثيرة وكتب متعددة ومحاضرات لا تعد ولا تحصى، ونظر له على نطاق واسع وبشر أن خيره سوف يعم العالم وتسود فيه العدالة وتطبق فيه حقوق الإنسان، فكان شعار على الورق ولد مريضا، أبسط مسمى له هو النفاق العالمي وليس النظام العالمي الجديد.

فالنفاق سلوك مشين يتعارض ما يقوم به شخص مجتمع على نطاق دولي، سواء كان تحت مظلة دينية أو سياسية غيرها من المسميات في النتيجة عمل عدائي، في الظاهر شعار كأنه حملا وديعا وفي الباطن وحشا كاسرا لا يمكن التعامل معه والتنبؤ بما يقوم به، فعل قبيح بعيد عن النزاهة والأخلاق الإنسانية، يلقي فيه دروسا ومواعظ عن الأخلاق يهدف بذلك لمطامع شخصية ونشر أحقاد دفينة تنشر على نطاق عالمي، من صفات هذا التوجه الكذب، أكذب ثم أكذب ثم أكذب حتى يصدقك الناس.

هذه الصفة المقيتة سواء كانت على المستوى الفردي في العلاقات الاجتماعية أو على نطاق عالمي في العلاقات الدولية، تبقى من أسوء الصفات، مرض عضال وخبيث من أشد ما ابتليت به البشرية أن تبنى العلاقة على المنافع الشخصية وتصبح الأساس في التعامل، وأشده خطرا وتأثيرا أن يتعدى النفاق من الفردي للعالمي ويصبح سمة تسود العلاقات بين الدول، ويصبح تأثيره أعظم وخطره أكثر ودماره أشمل، يدخل تحت مسميات براقة وأفعال ناعمة ظاهريا ومساعي للخير والصلاح والعدالة وفي باطنه تعم الفتن وينتشر الدمار ويزدهر البؤس والفقر والتردي الاقتصادي والسياسي وتنتشر الكوارث وغياب تام للاستقرار تطال البلاد والعباد في ظل منافع شخصية وسياسات ملتوية وروحا من الكراهية للغير وحب الذات.

النفاق العالمي اليوم في أشد حالاته، وعودا لا تنفذ وقيم لا تطبق ومبادرات تكرس فيها الكراهية والتوتر على نطاق دولي وفتن تحت مظلات محافل دولية وقوى عالمية، النتيجة أن يعم الإرهاب العالم وتعاني البشرية مزيدا من التخلف والتراجع ويقتل الإنسان تحت مظلة الفقر والحروب والإرهاب العابر للقارات، كل ذلك تحت مسميات قانونية يخترعه القوي لمزيد من السيطرة وانتهاك لتلك القوانين والحقوق والأعراف الدولية، تكرس الطبقية والتمييز ويقسم العالم إلى أول وثاني وثالث ورابع، كل ما تخلف فيه عالم أصبح الخطر المسلط عليه أكبر وأصبح لعبة في متاهات النفاق العالمي والازدواجية في التعامل، تعامل ليس تحت مظلة الأعراف والمواثيق بل تكرس فيها السياسة لا صداقة فيها ولا وجود للقيم والأخلاق، يظهر القوي المثالية فقط من أجل الوصول للمآرب الشخصية بلا رحمة ولا إنسانية، فتن طاحنة وأخرى ناعمة أكثر فتكا وخطرا، التنافس على أشده لمزيد من المكاسب والسيطرة بشتى الأساليب الجهنمية رسمت وخطط لها من تلك القوى العالمية روحا أنانية أصبح الصدق عملة نادرة والعلاقات الودية ضربا من الخيال، الذكاء هو كيف تسيطر أكثر على مقاليد العالم وخيراته بتفعيل ذلك الذكاء بكلمات براقة ووجوها بشوشة ظاهريا ومكرا سياسيا يجيدونه وهم صناعه يتغنون بالفضيلة ويحاربونها في الواقع سياسة تبنى على مزيد من الأكاذيب والافتراءات تضع نفسها موضع المخلص والمنقذ للعالم وفي الخفاء يدعم الإرهاب وتنتهك الحقوق الإنسانية وتعم الفوضى وينتشر الفقر وتدمر البيئة ويتأثر المناخ العالمي ويهدد السلم العالمي، ليصل الحال على الواقع لجرائم حرب وابادة في كثير من بقاع العالم.