آخر تحديث: 25 / 11 / 2024م - 8:27 ص

من يصنع الفوضى؟

علي أحمد آل رضي

قال تعالى: ﴿وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ «الحجر 19»

متى غابت الضوابط سيطرت الفوضى والإنسان يسعى بفطرته أن يبتعد عن بواطن الفوضى ومنابع الإزعاج ما أمكن، إلاّ اذا كان قدره أن يولد ويعيش في منطقة مكتظّة بالناس والسكان او أن تكون ثقافة افراد المجتمع بسيطة ومتدنّية ولا تراعي حقوق الآخرين بالهدوء والراحة، حيث الإزعاج لا يولد بذاته وإنما يلزم من يعمله ويتعامل معه بقساوة وتكبّر كما يجري من سائقي السيارات والدرّاجات الشبابية المعدّلة والحركة وسط المناطق التجارية والمستشفيات والدوائر المختلفة حال عدم توفّر مسارات ومواقف كافية، ويشمل ذلك فوضى دخول وخروج الطلبة والطالبات من المدارس وترك الأحذية بشكل عشوائي في مداخل المساجد والمجالس والازدحام في المحلات التموينية والتجارية التي تطرح عروضاً تصفها أنها مغرية وازدواجية حركة السير في شوارع عرضها محدود ومع ذلك يوقف سكان الحي سياراتهم على الجانبين. الجدير بالذكر أن اعمالاً واجِهتها أنها خلّاقة يمكن أن تدرج مع الفوضى حال تواجدها فيزمان او مكان غير مناسب مثل غرس الأشجار منتصف الشوارع قرب التقاطعات ومنافذ الدوران.

يبكي الطفل الرضيع أثناء قيام الأمّ بأعمالها التطوّعية من طبخ وغسيل وتنظيف ويتعامل معلّم الصفوف الدنيا بغلظة مع الأطفال فيتيهون ويبكون ويعتدي طالبٌ على زميله ويحدث الشجار والجراح ويخرج الإبن بعد تناول وجبة الغداء إلى اللعب مع اصدقائه تاركاً واجباته ومخالفاً لتوجيهات والديه، ويسجل الطالبفي الجامعة ويختار زملاءه تخصصه بل يسافر بعيداً للتسجيل في جامعة أو كلية اضطر صديقه التسجيل فيها ويواجه الطالب الجامعي ثقل المواد والواجبات مما يضطرّ الى الوجبات السريعة والمراجعة السطحية وطلب المساعدة المتكرّرة. ولا جدال أن وضع الموظف ليس بأحسن حال حيث يتركز ميله العمل لسويعات طالباً منه تغطيته والتسويف في إنجاز أعماله مبرّراً بضعف التقدير وغير مبالياً بالمراجعين الذين يترجّونه إنهاء عمله دون تأخير، كما يصنع المدير الفوضى بتفضيل المحسوبية وتوظيف غير المؤهلين الذين يحدثون ضجيج.

ثمّة التزام - وقتي أو دائم اجباري - للقوانين من الزوّار والمغتربين عند تواجدهم في الدول المتقدّمة كما داخل أروقة الشركات والمؤسسات التي تغرّم المخالفين وهذا الأمر مدعاة للبحث والدراسة عن مدى رسالة الضوابط وأثر الغرامات على السلوك الفردي داخل مجتمعه وخارجه حال عدم قناعته بإنسانية هذه الضوابط مما يضطّر إلى التقيّد بها كما يعتقد مرغماً ويكون منها في حلٍّ متى ما بدى الأمر تحت هواه، هذا التناقض قد يترك بصمة لا تغيب عن عين طفل أو متابع يرى اللّونين المتناقضين من ذات المصدر. ولايمكن الرضوخ إلى الحرية الزائفة التي تستخدم ضمن أدواتها الإساءة وإزعاج الآخرين والتعدّي على الضوابط والقوانين التي سنّت لتنظيم الأمور وترتيبها ضمن مبادئ الأخلاق الإنسانية.

مما لا شكّ فيه اننا لسنا مختلفون عن بقية الشعوب التي تلتزم بالضوابط في جلّ مناهج حياتها وأن تلك الشعوب والقبائل كافحوا وقاوموا وبذلوا الجهد المركّز حتى يغرسوا ثقافة الالتزام التي بها صلاح وفوائد للناس وواجهة اخلاقيّة وإنسانية مضيئة، وعلينا ألاّ نسلب الناس أشياءهم وتميّزهم وتقدّمهم في نظم أمورهم مع أن ديننا الحنيف والسنة النبوية المطهّرة أوصتنا بذلك ولكن هنا بونٌ ساشع بين القول الجميل والعمل الفوضوي اينما كان. إن تنظيم الأمور والالتزام بالضوابط عمل فردي بالأساس ومن الأفراد يتكوّن المجتمع وتنتشر الثقافات الرائدة وتقوى أساساتها التي عليها تقف شامخة قادم الأجيال، والجدير بالذكر أن نقل الثقافة تتم بمشاهدة ومناقشة العمل وليس بالقراءة والقول الفخم.

ومن أجل التغلب على الفوضويات بشتى اشكالها أدناه بعض التوصيات:

1. اعداد ميثاق منزلي يحوي ضوابط سلوكية والتعاون في الأعمال المنزلية بمشاركة جميع أفراد العائلة

2. وضع ضوابط المسؤولية التعليمية الفردية والعائلية في المدرسة والمنزل

3. عدم التسرّع في الرد وقبول الرأي الآخر المحترم

4. تحديد المجالات المنهي عن الخوض فيها، وتجنّب مواقف بها ازعاج للآخرين

5. المناقشة والإتفاق على كيفية اختيار الأصدقاء وحدود الزيارات

6. الالتزام بالضوابط والقوانين والحذر التام من المخالفات والغرامات

7. اسعَ ان يكون لك دوراً ايجابياً في المجتمع

8. الإخلاص فيما يسند اليك من مهام وأعمال

9. احترام الكبير والعطف على الصغير

10. رضا الله سبحانه وتعالى في كل قول وعمل

يبدو أننا يمكننا أن نتغلب على الفوضى متى قاومنا الفوضويات الذاتية ويصعب طريق المعالجة متى بحثنا أولاً على ما نسميه فوضى الآخرين، اللهم اهدنا.